جاءت مشاركة الكثير من مناطق السعودية ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته ال24، مُرضية للكثير من زوار المهرجان من الفئات العمرية كافة، من حيث التعرف على التراث القديم وحضارة الأجداد التي يتعرف عليها الزوار من خلال المعارض المقامة والأجنحة المخصصة لكل منطقة. التقت "شمس" الزوار عند مدخل جناح المدينةالمنورة، الذي اكتظ بهم، إذ استقبلتهم المدينةالمنورة ببابيها "العنبرية والمصري"، اللذين يعدان مدخلين للبيت، واللذين يمثلان نمطا معماريا يتسم بالتحصين والقوة وتحاكي حالتهما بوابات المدينةالمنورة في الماضي. فيصل السهلي أحد زوار بيت المدينة يقول: "لقد احتضن البيت المدني الكثير من زوار المهرجان؛ لما يتميز به من العناصر والتقسيمات الفراغية من الداخل، وما له من علاقة بيئية تربطه بالخارج وتصميم الواجهات وتبرز المقتنيات التراثية القديمة الخاصة بالحياة المدنية بمجالات استخدامها وعلاقتها بالعادات والتقاليد وسلوكيات الأسرة والمجتمع، واستخداماتها وفقا للظروف المناخية. ويؤكد السهلي عشقه التراث القديم، خاصة كل ما يتعلق بالحجاز من أكلات خاصة بهم نفتقدها في نجد كالكباب والمنتو واليغمش والفرموزة والسوبيا وغيرها من الأكلات. وبعيدا عن المأكولات والمشروبات التقطت عدسة "شمس" العم سالم غنيم السيد أحد المشاركين في محله الصغير، منهمكا في تزيين "الرواشين" وزخرفتها، إذ يؤكد سالم غنيم السيد أنه يشارك سنويا في الجنادرية التي تتيح له إبراز حرفيته وصناعته للأبواب والنوافذ والمجسمات بطريقة عرفت سابقا في منطقة الحجاز ب"الروشان"، هذه الصناعة والحرفة عرفت منذ قديم الزمان وهي الآن قد تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويسعى السيد جاهدا من خلال الجنادرية إلى أن يثبت أهمية مثل هذه الحرف اليدوية، التي يمارسها منذ أن كان في العاشرة من عمره، ويضيف العم سالم: "تعتبر صناعة الرواشين من الفنون القديمة، التي تميزت بها منازل ودور مكةالمكرمة بصفة خاصة والمنطقة الغربية بصفة عامة، وهي من الحرف اليدوية التي على وشك الاندثار، وللرواشين أنواع عدة ك"الغولة"، التي توضع على البروزات الخارجية للمنازل "الشرفة"، وكذلك من أنواعها "المشربيات"، التي كانت تخصص لوضع شربات الماء عليها، إضافة إلى تلك الأنواع الخاصة بالنوافذ"، وأبدى العم سالم أسفه على وجود بعض المعوّقات التي كانت توضع في طريق مشاركته بلوحات الروشان، التي تصل في بعض الأحيان إلى حدّ الرفض، فضلا عن الدخول في المسابقات، ولعل عدم وجود حرفيين في مهنة النجارة أحد أبرز الأسباب، بالإضافة إلى ندرة الطلب على الروشان وارتفاع أسعار المواد الخام الأساسية، التي يعتبر الخشب أبرزها. وفي جناح التراث القصيمي التقينا محمد السليمان المزيني (70عاما)، الذي يعرف في المنطقة الشمالية ب"زارع البسمة"؛ لما يقوم به من صناعة بعض الألعاب الخشبية للأطفال ك"الدوامة والفرارة والمشبكة"، وهي ألعاب قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل 1400ه، إضافة إلى صناعة الطبول وغيرها، يقول العم محمد: "أتيت إلى قرية التراث بالجنادرية لأعرض على زوار المهرجان كيف كنا نقوم بحزم الطبول، هذه الحرفة التي تعلمتها وأنا لم أبلغ السابعة من عمري؛ إذ ورثتها عن أبي الذي شجعني على المحافظة على هذه الحرفة العريقة"، ويضيف أنه يمارس هذه الحرفة "منذ أكثر من 25 عاما عندما كان العمل شاقا من أجل البحث عن المواد لهذه الصناعة والمكونة من الخشب وجلد الإبل والغنم، إذ يحقق الجلد ويملح ويزال الغزل والشعر الذي عليه، ثم ينقع في الملح والماء فترة؛ كي لا يجف ويتكسر، ثم تصنع منه الطبول والطيران وتتم خياطة الجلد ولفه على الخشبة؛ ليغطيها، ثم يحزم ويكون جاهزا للبيع". ويفرق المزيني بين أنواع وأحجام هذه الطبول فمنها الطار المفتوح ذو الوجه الواحد ومنها الطعل المعلق ذو الوجهين، وأحجامها تتفاوت، منها الصغير والوسط والكبير، وتراوح أسعارها بين 120 و160 ريالا، إلى جانب صناعة المراحيض الكبيرة، وكذلك طبل العربة والسامري والنجدي. وحول الإقبال على شراء هذه المصنوعات أجاب بأن هناك بعض المهتمين وبعض الفرق الشعبية التي يتعامل معها، وأيضا بعض الزوار الذين يحبون اقتناءها.