الإمارات الأول، وليس لأمثاله مكان: قبل الأول. لا شك ﺃن القصائد التي يحاول الشعراء نشرها وطرحها ﺃمام المتلقي تخضع في كثير من الأحيان لمعايير رقابية، وﺃسس تتعامل مع المطروح وفق قوالﺐ ثابتة لا يجوز تخطيها بأي شكل من الأشكال، وبالتالي تصبح تلك النصوص رهن البحث عن وسيلة ﺃخرى لبثها سواء "المجالس" ﺃو "الإنترنت"، إلا ﺃن ظهور تقنية "البلوتوث" ساهمت بشكل كبير في ر و ا ج ا لعد يد من القصائد وبالتالي خدمة شعرائها. كثيرا ما تمر علينا لحظات يطلﺐ منك ﺃحدهم ﺃن "تفتح البلوتوث" الخاص بجوالك، كي يرسل لك مقطعا نصيا ﺃو مرئيا ﺃو صوتيا، وكثيرا ما تنحصر هذه الطلبات لإرسال "مقطع شعري" لشاعر ﺃنت لا تعرفه، وتبدﺃ في البحث عنه متى ما ﺃعجبت بما يطرح، ولعل المشهد تتزاحم فيه الكثير من الأسماء التي انطلقت عبر "البلوتوث" قبل حضورها الرسمي في القنوات الإعلامية سواء المرئية ﺃو المقروءة ﺃو المسموعة. و لعل ا لبحث عن مسببا ت هذ ا التعامل "التقني" تقودنا بشكل مباشر لرغبة انتشار، ﺃو إيصال صوت، بدليل ﺃن ﺃكثر تلك القصائد التي تصلنا ابتداء من "افتح بلوتوثك" تحضر بشكل إما غاضﺐ ﺃو لاذع، حيث تنحصر ﺃغراض الشعر "البلوتوثي" في: الهجاء ﺃو "الشتم ﺃحيانا" ﺃو المديح "المبالغ فيه" ﺃو كصيغة "نقد" جارح لحدث ما، ولعل القصائد التي صاحبت مرحلة انهيار "سوق الأسهم" خير دليل على ذلك، إضافة إلى مرحلة غلاء الأسعار ﺃو قيادة المرﺃة. إذن نحن ﺃمام محاولة تمرير "ردة فعل" شعرية، من خلال ﺃدوات التقنية! البلوتوث كما جاء في معجم التقنيين هو: "معيار تم تطويره من قبل مجموعة من شركات الإلكترونيات للسما ح لأ ي جها ز ين إ لكتر و نيين - حاسوبات وهواتف خلوية ولوحات المفاتيح - بالقيام بعملية اتصال لوحدهما من دون ﺃسلاك ﺃو كابلات تدخل من قبل المستخدم". لذا كم هو انتصار للشعر من حيث "الشكل" قدرته على تسييس كافة الأدوات لمصلحته، لتصبح، وسيلة ضمن وسائل عديدة، إلا ﺃنه لم يستطع حتى هذه اللحظة ﺃن يشكل طريقا دقيقا، منظما، "محترما"، "متعوبا عليه"، كما هو حال الأدوات التي يستخدمها! ا لشعر ية ا لعا لية في ا ستخد ا م هذه التقنية تخطت بحدودها مجرد المشاركة وانتقلت لجو ﺃكثر حميمية من خلال المعرفات التي يستخدمها "مشغلو" هذه الخدمة، وما عليك عزيزي القارئ سوى ﺃن "تفتح بلوتوثك" في ﺃي مكان عام وتبدﺃ البحث عن الأجهزة المجاورة وستجد ﺃن ﺃغلﺐ "جيرانك" عرفوا ﺃنفسهم من خلال ﺃسماء شعرية عالية الضوء واللفتة، مثلا "المسافر راح"، "تعبت ﺃحبك"، "فصل خامس"، ولكن يظل السؤال: هل يعقل ﺃن مجتمعاتنا وحدها التي تتعامل مع كل شيء بشكل شاعري ﺃم ثمة ﺃهداف ﺃخرى؟ لا يسعنا في الختام إلا ﺃن نقول: الشعر فضفاض مرن يقبل التماهي بخفة وينصهر مع كل شيء يخدمه: تقنية، عقل، قلﺐ، زحام، ورق، شاشة، ومد لا ينتهي من المادي والمحسوس، فقط ا لمسأ لة بحا جة إ لى تر تيﺐ "الجمال" حسﺐ الممنوح، من خلال قدرة "جيدة" على التعامل مع "المحيط" بنباهة عالية، وإبداع متكرر، دون البحث عما يخدم "الخاص" دون "العام". وكل "بلوتوث" وﺃنتم مبدعون. الشعر جزء من تقاليد حية يومية، لكن الوضع الراهن تغير بين التقليد الشعري وبين الشعر الجديد. لا يمكن لفنان ﺃن يتذوق لوحة ما لم يكن لديه ثقافة فنية ويعلم كيف تتم الألوان وكيف تدرج وكيف هي مركبة حتى يفهم ا للو حة؛ إ ضا فة إلى معرفته لتاريخ الفن والاتجاهات الفنية، ﺃ عتقد ا لشعر هكذ ا.. هناك من يقول: ﺃنا لا ﺃفهم شعرك ﺃقول: طيﺐ ﺃنا ﺃقدر لك وﺃفهمك و لكن كم كتا با قر ﺃ ت لي؟ كم ديوان شعر في مكتبتك؟ اﷲ ﺃعلم.