يقدم الكاتب الإنجليزي كولن ويلسون رؤية متماهية مع كل ما هو ورائي في كتابه «الحاسة السادسة» أو «الإنسان وقواه الخفية» بذات الأسلوب المذهل في استعراض الفكرة كما هو في جميع مؤلفاته التي بدأها باللامنتمي في ريعان شبابه وقدم من خلاله رؤى عميقة لمجريات الإنسان في أحواله المختلفة. وفي هذا الكتاب يطرح ويلسون فكرة الحاسة الخفية المستترة والتي يعرفها بأنها شهية الإنسان المفتوحة إلى الارتقاء والتطور والرغبة في الاحتكاك بالحقيقة والتواصل معها، ويتخذ من الملكة «س» رمزا لذلك ويراها القدرة على الإمساك بالحقيقة والقبض عليها، وهي توحد نصفي عقل الإنسان الوعي واللاوعي، وبمعنى آخر القوة الخفية التي تمتلكها الكائنات الإنسانية فتتصل بها إلى ما وراء الحاضر. ولعل فكرة الماورائيات تستغرق حيزا واسعا من الكتاب بدءا بالحضارات القديمة التي طالت ببصيرتها إلى ما هو غيبي فكانت أكثر معرفة بالحقيقة والإيمان بها، غير أن واقع الإنسان المعاصر الذي استلبته الحضارة الراهنة بإيقاعها السريع جعلته يعطل تلقائيا حاسته السادسة التي كان بالإمكان أن تلهمه وتقوده إلى عالم الماورائيات الذي يجعله أكثر احتكاكا بالحقيقة، وليس تلك الحقيقة السطحية التي يحصل عليها دون مجهود أو تطلع، مكتفيا بشعور خادع بالإمساك بها. والملكة «س» التي يتتبعها ويلسون في كتابه إنما هي نوع من القوة التي تفجر طاقة الإنسان وتدفعه للتطور، وحين يعطلها ولا يستخدمها فإنه يصبح خاملا وغير جدير بالارتقاء، ولذلك فإن هذه القوة ضرورية لتحريره ودفعه باتجاه ما ورائي يهديه إلى الحقيقة، وفي نفس الوقت تتزايد قوة تلك القوة. ويطرح ويلسون كثيرا من الأفكار والرؤى التي تتعلق بحالة الإنسان فيما يتعلق بأحواله العقلية، فقضية الميتافيزيقا أو الماورائيات الطبيعية إنما هي بداية لتفكير عقلاني يتسع ويضيق بحسب النمط البشري، فهو عندما عاد إلى الوراء وما كانت لدى الهنود الحمر من حضارات وفكر عقلي، إنما كان يغوص في اتجاهات الإنسان القديم إلى أن يصل إلى تأكيد يبدو منطقيا وهو أن الإنسان المتحضر يميل إلى أن يعاني من التوتر الفائق غير الواعي. وذلك التوتر ينشأ من مفارقات ومتغيرات الحاسة الخفية أو الملكة «س» باعتبارها الطاقة غير المستخدمة التي تمنح الإنسان القوة الضرورية لأن يرتقي في سياق الحضارة التي تتطلب أساسا شغلا عقليا وفكريا لا بد له من مثل تلك القوة لكي تحفز الإلهام، ولذلك فإن قراءة هذا الكتاب تتشبع بالحيوية والتجديد ليبقى سفرا مهما ومثيرا للاهتمام في جميع المراحل الإنسانية وأزمانها.