يُعَدُّ العالم الفيلسوف الإنجليزي أَلءفءريد نورث وايتهد من أبرز شخصيات القرن العشرين فقد أبدع في عدد من المجالات المتباينة لقد تخصَّص أكاديمياً في الرياضيات لكن اهتماماته كانت أكبر من أي تخصص وأقوى من أي طوق فمزَّق الأطواق الأكاديمية وأبدع أولاً في مجال تخصصه ثم غيَّر مجال اهتمامه أكثر من مرة فمرت مسيرته الفكرية والعلمية والعملية بثلاث مراحل متباينة وأنجز آثاراً عظيمة خالدة في كل المجالات المتباينة التي تستهويه وتستغرق اهتمامه وأصبحت هذه الإنجازات والآثار موضوعات للدراسة والتتبع والتأليف والإلهام ليس على مستوى الناطقين باللغة الإنجليزية وإنما على المستوى العالمي حيث تُرجمتء كتبه إلى الكثير من لغات العالم ودُرستء بعناية من رجال الفكر والعلم بوصفه من أبرز قادة الفكر وصاحب موقف ورؤية ومذهب فلسفي خاص يُعرف به إنه من القلة المبدعة التي تشقُّ طريقها بنفسها وتقود إذا استجيب لها إلى تحولات حضارية كبيرة أو صغيرة أو حاسمة فالتقدم في العلم والفكر والاجتماع والسياسة وفي كل جوانب الحضارة يقوم على القيادة والانقياد ولقد كان وايتهد واحداً من قادة الفكر العالميين الذين لا يحدُّهم تخصًّص ولا يحتويهم مجال وإنما ترسل عقولهم إشعاعاً خارقاً أينما اتجهوا.. ومع أن كثيرين كتبوا عنه ودرسوا إنتاجه وأشادوا بفكره وتتبعوا تحولات اهتمامه وأعجبوا بإبداعاته في كافة المجالات التي كانت محل عنايته إلا أن أوسع دراسته عنه في اللغة العربية هو الكتاب الضخم الذي ألفه عنه الدكتور علي عبدالمعطي محمد ويقع في (623) صفحة أما البروفيسور أ.ه جونسون فقد اقتصر في كتابه (فلسفة وايتهد في الحضارة) على هذا الجانب من فكره إنه يرى أن الإلمام بجميع جوانب إنتاجه وفكره يتطلب مجلدات عديدة متنوعة والكتاب مترجَم إلى اللغة العربية أما كولن ولسون فقد اهتم بإبراز مزايا شخصيته الفريدة في كتابه (سقوط الحضارة) وكتابه (ما بعد اللامنتمي) وأما مؤرخو الفلسفة فيفردونه بفصول كثيفة تتلاءم مع مكانته الفلسفية الرفيعة إنه واحد من الأعلام البارزين له ورؤى مهمة عن الإنسان والحياة والحضارة وعن التنشئة والتعليم وعن الإبداع والاتباع وعن عظمة القابليات الفطرية الإنسانية وتفاوتها الشديد وعن دور التهذيب الأخلاقي الرفيع في حياة الفرد والمجتمتع وفي الحياة الإنسانية وعن مقومات التقدم الحضاري وعن أهمية النقد كمحرك للعقل والفعل وعن وحدة المعرفة الإنسانية وتداخل تخصصاتها المختلفة وضرورة تآزرها وتكاملها في عقل الفرد وحياة المجتمع واجمالاً فإن له رؤى أصيلة ومواقف حصيفة عن كل ما يهم الإنسان المتحضِّر أو يتساءل حوله.. إن وايتهد يكرر التأكيد على الدور التأسيسي العظيم الذي أداه الإغريق للحضارة الإنسانية وهو يبجِّل هذا الشعب العجيب المدهش تبجيلاً عظيماً لاشك أنه يستحقه ويخص أفلاطون بمزيد من البجيل وتأكيد الأهمية ويرى أن الدنيا كلها مدينة لأثينا وللفلاسفة الإغريق العظام الذين وضعوا أسس التفكير العقلاني وجعلوا ظهور العلم الحديث ممكناً.. إن وايتهد بتحولاته المتباينة وبإبداعه في كل المجالات التي أولاها اهتمامه شاهدٌ حي على أن الإنسان الذي يملك قابليات فطرية جيدة قادر على أن يبدع في أي مجال يتجه إليه برغبة ذاتية تلقائية ويمحضه اهتماماً تلقائياً قوياً مستغرقاً.. وصف البروفيسور بوخنيسكي في كتابه (تاريخ الفلسفة المعاصرة) وايتهد بأنه مفكر أصيل ذو مقدرة فذَّة وبأن تاريخه حافلٌ بما يجعل منه فيلسوفاً فريداً وبأنه ذو فكر خارق: "فإلى جانب أنه رياضي بارز وواحدٌ من مؤسسي المنطق الرياضي الحديث نجده قد أقام فلسفة عضوية ولقد أظهر إلى جانب تخصصه اهتماماً بالغاً وقد جمع بين شمول المعرفة وبين ذكاء متفتح على التيارات المتباينة" إنه كما يقول بوخنيسكي: "مفكر دائب العمل والجهد ومحلل يتطرق إلى أدق التفاصيل وفيلسوف ذو قدرة خارقة على التركيب" إنها لمن الخصائص الفكرية النادرة المهمة أن يكون المرء مهتماً بالتحليل ومعنياً بأدق التفاصيل وفي الوقت نفسه يكون ذا رؤية تركيبية جامعة إنه بهذا يجع بين النظرة التحليلية العميقة والرؤية التركيبية الجامعة فتتكامل فيه أعظم خصائص العقل العلمي الموضوعي الدقيق مع أعظم خصائص العقل الفلسفي الجامع المحيط.. إن وايتهد يدرك عظمة الإنسان ولكنه يرى أن هذه العظمة نادرة في البشر ومع ندرتها فإنها تأتي دائماً مصحوبة بالنقائص ومن أشد نقائصها تقديس الأتباع لمن نال حظاً من الامتياز العقلي أو الصفات الأخرى العظيمة فبدلاً من أن يفيتح العظيمُ أبواب التقدم لمن يأتون بعده يبالغ الأتباع في تبجيل آرائه والتقيد بمواقفه ويتعصبون له فتتحول آراؤه إلى عقائد قامعة للإبداع ومعطّلة للعقل ومقيدة للنشاط فيبقى الأتباع سجناء لرأي فرد من البشر فيتوقف نمو المعرفة بل يتآكل الوضع بأجمعه في الأمة وتتراجع الحضارة إن الفرد مهما بلغت عظمته يظل واحداً من الفانين القاصرين وتظل آراءه محكومة بعوائق البيئة وبنقائص البشر وأخطائهم وما يتحكم بهم من رغبات وأهواء وسوء تنشئة لذلك فإن تقييد حاضر ومستقبل ومصير أمة بأكملها وربط مصير الأجيال المتتالية برأي فرد من الناس مهما بلغت عظمته هو أفظع كارثة تحل بالإنسان والمجتمع والحضارة فالمطلوب من اللاحقين مجاراة العظماء السابقين في الإبداع والتجديد والمغامرة وليس التوقف والاكتفاء بما أنجزوا فيقول: علينا أن نحذو حذوهم في التفكير المبدع لا أن نحاول اجترار أفكارهم ومشاعرهم ونظمهم بتفاصيلها.. إن مزية العظيم الأكثر أهمية هي أنه يفتح آفاقاً جديدة للمعاصرين له ولمن يأتون بعده إنه يدرِّب غيره على الاقتحام والمغامرة وهو بفعله وفكره يدعو إلى مواصلة الاقتحام فأسلوبه في المغامرة والتجاوز أهم مما يتوصَّل إليه بنفسه إنه بجرأته واقتحامه ومغامرته نحو المجهول يدرب الآتين بعده بأن يفعلوا الشيء ذاته أما إذا توقفوا على ما قدَّمه لهم فإن ضرره يصبح أكبر من نفعه لأنهم بذلك يتوهمون أنه نهاية الكمال فيصبحون أسرى له وهذا منتهى العمى والجهل والكلال.. إن التقدم في أي مجال لا يتحقق إلا باختراق المألوف وتجاوز الراهن ومواصلة الاختراق صعوداً دون توقف ولا تردُّد فآراء العظيم وأفعاله وإنجازاته مرهونة بوقتها وهي لبنات تناسب موضعها في البناء الحضاري إنها مهمة فقط في مكانها وزمانها لكن لابد من مواصلة البناء فوقها أما الوقوف عندها فهو عجزٌ فظيم وخلل ثقافي مقعد إنه إلغاء للقابليات المفتوحة وهدءرٌ للإمكانات العظيمة للنماء والتقدم إلى ما لا نهاية.. إن إدراك الخلل بما هو قائم والإحساس بالقصور وإعلان الاعتراف به والتحرك الجاد والسريع نحو الإصلاح وتقبُّل الأفكار الجديدة وتشجيع المبدعين والاستجابة لأهي الرأى الناضج والفكر الرائد وعدم التوقف عند أي مستوى والتطلع الدائم للآفاق الأبعد والأكمل والاندفاع التلقائي للعلم والعمل.. إن هذه كلها هي بعض شروط التقدم إن المغامرة نحو المجهول والقدرة على التغيُّر من أهم صفات المجتمع المتحضِّر إن تحضُّر أي مجتمع في نظر وايتهد لا يقاس بعظمة المنشآت ولا بفخامة المدن ولا بالوفرة المادية ولا بالقوة العسكرية وإنما يقاس بمقدار التزام المجتمع بالحق وتقديره للجمال وتذوقه للفن وقدرته على إدراك نقائص المألوف وحرصه على المغامرة وإقدامه على تجاوز الراهن أما المعيار الخامس لمزايا المجتمع المتحضِّر فهو ميله إلى السلام وقيام العلاقات فيه على الإقناع وتخليه عن وحشية الإضاع وهذا هو العنصر الأهم في تحديد مستوى التحضُّر لأي مجتمع.. إنه يرى أن الإنسانية صمدت للكوارث وتجاوزت الظروف الصعبة خلال التاريخ الطويل بسبب قدرتها التلقائية على التكيف مع أي وضع جديد أما الأمم التي لا تملك مرونة التكيف فإنها تنقرض وهو يرى أن الفاعلية الإنسانية الخارقة لا تتحقق إلا إذا امتزجت دوافع الفطرة الراسخة مع جيشان الفكرة الطارئة فالمدافع الاقتصادي مثلاً أساسي في تحريك الجماهير فإذا تلاحم هذا الدافع مع فكرة مثالية أو هدف إنساني عظيم فإن النتائج تكون عظيمة وباهرة.. إنه يؤكد أن التراكم الثقافي التاريخي يخلق آلياً الكثير من القيود والعوائق والأوهام التي تنيم العقول فيتحرك بها المجتمع آلياً وأن الشعوب بطبيعتها غير قادرة ذاتياً على إيقاظ نفسها وإدراك فظاعة قيودها فالبداهات مهما كانت موغلة في الخرافة تبقى مسيطرة إلى أن تتعرض لهزات قوية بفاعلية العقل الحر الناقد وبتأثير الجدل المستنير بين الاتجاهات المختلفة أما من دون ذلك فتستمر البداهات الجغرافية تكبّل عقل الفرد والمجتمع مهما طال الزمن إن البرمجة الراسخة لا تؤثر فيها الحقائق الطارئة مهما تضافرت ما لم تكن مصحوبة بمناخ حواري صاخب تتكافأ فيه فرص التعبير فلا يستأثر فيه طرف دون الأطراف الأخرى بالوسائل والتشريع والتقرير والتعليم والإعلام والإمكانات وحرية التعبير وقنوات التواصل فيتحكم في تفكير المجتمع وسلوكه.. إن الإنسان كائن تلقائي في دوراته مع ذات المسارات العتيقة أو في انحداره إلى المزيد من التخلف أما تجاوز هذه التلقائية فيتطلب فورة حاشدة تخلق اهتمامات تلقائية جديدة قوية ومتدفقة تصعد بالمجتمع نحو آفاق الفاعلية والازدهار فالإنسان تلقائي في كلاله وانحداره وتلقائي في فاعليته وصعوده إن وايتهد يرى أنه على مستوى الأفراد والمجتمعات وعلى المستوى الإنساني عامة لا يمكن أن يتطور الوعي أو يتحقق الإنجاز والإتقان والإبداع والتقدم في المجالات كافة إلا إذا كان الاندفاع للعلم والعمل تلقائيا وليس اضطراراً فلابد أن يأتي دافع التحرك من أعماق الذات كأسلوب حياة ونمط تفكير ينساب فكراً وفعلاً وعملاً وأداء كما ينساب التنفس إنه يرى أن هذا السعي الحديث التقائي هو أهم العناصر الجوهرية في تكوين الحضارة إن الفرد والمجتمع لا ينتج ويبدع حين يُدفع إلى العلم والعمل دفعاً وإنما يكون الأداء خلاقاً حين يكون التحرك تلقائياً.. لقد كان وايتهد من أروع النماذج في الاهتمام التلقائي الملهم وفي الاستغراق العميق المنتج كما هو واضح من سيرته وتحولاته وانجازاته العلمية والفكرية والتربوية والفلسفية وكما يصفه العارفون له والدارسون لإنتاجه الغزير المتنوع ولم يحقق ذلك إلا بالاهتمام التلقائي القوي المستغرق يصور شيئاً من ذلك ما كتبه عنه العالم الرياضي الفيلسوف يرتراند راسل حيث يذكر أنه كان من شدة إنهماكه واستغراقه بالبحث أو العمل كان يذهل عما حوله حتى أنه لا يسمع ولا يرى ولا يحس إلا بما هو مستغرق فيه وما ركّز عليه اهتمامه جاء ذلك في الفصل الذي أفرده له ضمن كتابه (صور من الذاكرة) وفيه يقول: "وقدرته على التركيز على العمل غريبة حقاً ففي يوم صائف وكنت أنزل ضيفاً ع ليه حضر صديقتا كرومبتون دافيز فاصطحبته إلى الحديقة ليلقي بالتحية إلى مضيفه وكان وايتهد يكتب شيئاً في الرياضة فوقفنا أمامه على بعد لا يزيد على الباردة وأخذنا نرقبه يعلوي الصفحة تلو الصفحة مغطاة بالرموز دون أن يشعر بوجودنا فلما انقضت فترة ذهبنا ونحن يخامرنا شعور بالهيبة نحو هذا الرجل" بهذا الإنهماك التلقائي العميق واللذيذ وبهذا الاستغراق الذاتي التام الممتع استطاع وايتهد أن يجدِّد علم الرياضيات وأن يصبح من أبرز مؤسسي المنطق الرياضي الحديث وينفس الاهتمام القوي المستغرق استطاع أن يغيّر مجال اهتمامه وأن يتحول عن تخصصه إلى مجال مختلف كلياً وأن يقدّم إسهامات رائدة في الميتافيزيقا وفي العلوم الطبيعية وفي فلسفة الحضارة والاجتماع والتربية والإدارة والأداء وفي حقول علمية وعملية ومعرفية أخرى متنوعة فقد كان أستاذاً للرياضيات والهندسة والميكانيكا في جامعة كمبرج ثم أستاذاً للرياضيات التطبيقية في جامعة لندن في بريطانيا ثم أستاذاً للفلسفة في جامعة هارفارد بأمريكا لقد غيّر مجال اهتمامه أكثر من مرة فأبدع في كل المجالات التي محضها اهتمامه فكان رائداً في الرياضيات ثم أبدع في العلوم الطبيعية ثم أبدع في الفلسفة والاجتماع والتربية والرؤى الحضارية وفلسفة التاريخ لقد صدر له تسعة عشر كتاباً أكثرها في المجال الفلسفي والتربوي والاجتماعي والحضاري كما أن معظم الدراسات التي كُتبت عنه كانت عن مجالات اهتمامه الأخيرة لأنها أرحب وأهم وأخصب.. يقسّم الدارسون حياته الفكرية والعلمية والعملية إلى ثلاث مراحل رئيسية ولكل مرحلة إنتاج مختلف وفريد ومتميز فالمرحلة الأولى تمحورت حول الرياضيات وأنتج فيها الكتب التالية: 1- رسالة في الجبر العام 2- بديهيات الهندسة الإسقاطية 3- بديهيات الهندسية الوصفية 4- مدخل إلى الرياضة 5- وتوِّج ذلك بكتابه الضخم (أصول الرياضيات) الذي أنجزه في ثلاثة مجلدات هو وتلميذه وزميله وصديقه الفيلسوف برتراند راسل لقد كان بين الرجلين تعاون وثيق ومودة عميقة واحترام متبادل رغم أنهما مختلفان جذريا في الرؤى الفلسفية والاجتماعية والدينية.. أما المرحلة الفكرية الثانية فقد تمحورت حول العلوم الطبيعية وأنتج فيها الكتب التالية: 1- تنظيم الفكر 2- بحث في مبادئ المعرفة الطبيعية 3- تصور الطبيعة 4- أصول النسبية مع تطبيقات على علم الفيزياء.. هكذا كانت انجازاته العلمية والفكرية في المرحلتين الأولى والثانية تتمحور حول الرياضيات ثم حول العلوم الطبيعية مع اهتمام شديد بالفلسفة ثم وجّه كل اهتمامه تدريساً وتأليفاً للمجالات الأوسع فتحول إلى الهم الحضاري وهذا هو التحول الجذري الثالث في حياته الفكرية والعلمية فدعته جامعة هارفارد بأمريكا ليكون أستاذاً للفلسفة فانتقل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وحصل على الجنسية الأمريكية وأنجز مؤلفاته الأكثر أهمية والأقدر على التأثير والخلود وهي تتمحور حول مجالات الميتافيزيقا والاجتماع والتاريخ والتربية والسياسة وفلسفة الحضارة فتالى إنتاجه الحصيف والغزير وأنجز فيها الكتب التالية: 1- العلم والعالم الحديث 2- الدين في طور التكوين 3- المذهب الرمزي معناه وأثره 4- أهداف التربية 5- التقدم والواقع 6- وظيفة العقل 7- مغامرات الأفكار 8- الطبيعة والحياة 9- أنماط الفكر 10- مقالات في العلم والفلسفة 11- وقد تحول بيته في أمريكا إلى ملتقى للطلاب والأساتذة والمهتمين فأثمرت هذه اللقاءات كتاب (محاورات وايتهد) التي سجلها وجمعها ونشرها الصحفي لوسيان برايس.. ويقول مؤرخو حياة وايتهد بأن عدد الذين كانوا يرتادون صالونه المسائي للاشتراك في المحاورات أثناء وجوده في أمريكا يكاد يبلغ المائة كل مساء فكان بيته مكتظاً بالمهتمين بالفكر والباحثين عن المعرفة يحفزهم الى ذلك شغف صادق بالحقيقة وولع شديد بالتحقق من معارفهم وتصوراتهم وكانت تتكافأ الفرص للجميع ليتناقشوا ويطرحوا الأسئلة ويعرضوا آراءهم فيتجادلون حول رغبة في العلم وليس طلباً للانتصار وكان وايتهد يرى أنه: من الخطأ الفاحش أن يظن الكبار أنهم لا يستطيعون التعلم من الصغار، فكان يصغي لآراء الطلاب ويستمتع بمناقشاتهم ويستفيد منهم بمقدار ما يفيدهم فالجميع كانوا يسعون للمعرفة ويبحثون عن الحقيقة ويلتزمون بالموضوعية ويتقنون أدب الحوار ويدركون بداهة الاختلاف ويؤمنون بأنه حق للجميع ولم يكن هدفهم أن ينتهوا بين غالب ومغلوب في هذا الجدل الممتع الجياش وإنما كانت الحقيقة هي المطلب الرفيع الذي يجمعهم فالمعرفة الحقّة لا تأتي تلقيناً قاطعاً من المعلّم وتلقياً مستسلماً من المتعلم وإنما تتكوَّن بالتساؤل الواعي والفهم الحر والمراجعة الفاحصة..