اعدل الكرسي واجلس لنتحدث قليلا. القهوة ملء الأنف، والسجائر جاهزة لصيد الأفكار وإطالة البال. ما هو جوابك لو سألتك عن أحداث الربيع العربي: هل ما يحدث هو تمرد شعبي، أم ثورة اجتماعية؟ لنضرب مثلا لكي يتضح السؤال: هل فكرة «القوائم السوداء» والتي ضمت الكثير من المبدعين العرب الذين كان لهم رأي يخالف رأي «الشارع» أو «الجماهير»، هل هي فكرة نبعت من ذهنية «إنسانية» تنفتح وتثور، أم من ذهنية «بشرية» تمردية وغريزية، لا ترى في الموجودات إلا صيادين وفرائس؟ أعلم أنه من الخطأ أن أسأل سؤالا يحد إجابته في خيارين، إما وإما، ولكنه ضروري لإيضاح فكرة أن الربيع العربي بدأ تمردا شعبيا وبكثير من الغبش وعشوائية الأفكار، وعليه أن ينتهي إلى ثورة اجتماعية منظمة وواضحة التطلعات «أليس كذلك؟».. إنها صيرورة لابد من دفعها إلى أقصاها، وتسفك لها الأعمار الطوال. ولكن هناك من يحاول إيقاف هذه الصيرورة المهمة بأشكال كثيرة، وأعود إلى فكرة «القوائم السوداء» كمثل. إن من يرسخ هذه القوائم الملعونة ويدفع من أجل ذلك الأموال الطائلة ليسوقها عبر إعلانات الفيس بوك وغيره، أقول إن من يرسخ ذلك، يحاول أن يهدم ويكسر صورة المثقف والمبدع العربي، يحاول أن يلغي إنجازاته ونضاله الطويل في تأسيس الثقافة العربية، مثل أدونيس وسعدي يوسف ونور الشريف ودريد لحام. جاهل حتى شرايين القلب، من ينكر أن المبدعين العرب حاربوا الجهل والتعصب والتخلف طويلا، قد كفروا وسفهوا ونبذوا وقتل بعضهم في سبيل «تشريع» الإبداع بلا قيد أو شرط.. أليس هدم رموز الإبداع العربي، هو هدم للثقافة العربية في تاريخها وتطلعاتها؟. لماذا لم يفكر هؤلاء المعجبون بهذه القوائم وما هو هدفها؟ كيف يحق لهم أن يحكموا على مبدع بالسقوط، من خلال موقف مخالف؟ من أعطاهم هذا الحق، وتحت أي ذريعة، ومن يضع معايير «السقوط» هذا ودرجاته، وكيف يقاس؟. إذا لم ينجح الربيع العربي في زرع قيمة احترام الرأي واحترام الآخر، وفوق هذه كله، قراءة التجارب وتقديرها وفهم ظروفها بحرية وحب، فهو ربيع لا يعول على أشجاره. يبدو أنك لا توافقني في هذا. إذا، أعد الكرسي مكانه، واغرب عن وجهي!!