تواضع المسرح السعودي يفتح خزانة أسرار الأسئلة حول المنهج والنص والكادر والفعل المسرحي، خاصة في ظل انفصال المسرحيين عن المجتمع، الذي يبرره المسرحي فهد ردة الحارثي بأنه ليس لديهم طريقة التواصل مع المجتمع سوى المسرح الذي يعرضون عليه، ويتساءل بدوره: كيف يحصل فعل التواصل وأين؟ ويجيب: المسرح السعودي يحتاج إلى مشروع توطين حتى يستقر في مكانه، هو مهاجر دوما من قاعة إلى أخرى، ولذلك لا يحظى بفرص التواصل الإعلامي والمجتمعي. وعن أهمية ودور المهرجانات المسرحية يرى الحارثي أنها تعيد للمسرحي تكوينه، وذلك من واقع حصيلة تجربته مع هذه المهرجانات التي حضرها والتي تزيد عن 60 مهرجانا، بعضها يكون كافيا ليستعيد معها نفسه وروحه المسرحية.. إلى الحوار. ما الذي يمكن قراءته في فكرتك المسرحية المعاصرة؟ - محاولات مستمرة لكتابة نص العرض، للنحت في عمق التجربة بداية من نصوص مسرح الحركة في تجارب: البابور، والفنار، وأنا مسرور يا قلعة. ثم الانطلاق في نصوص عصف، وسفر الهوامش، وحالة قلق، وكنا صديقين، لعمل مشروع إيجاد حالة بحث بين لغة السرد في القصة القصيرة ولغة الحوار في المسرح كان مشروعا ناجحا في تصوري، أحببته كثيرا، كنت أجتزئ حوارا ممثلا في مسرحية وأنشره كقصة قصيرة، وكنت أكتب قصة قصيرة ثم أجعلها ضمن سياق حوارات النص، دون ،ن يلحظ أحد حالة التظفير التي كنت أعكف عليها، والآن أعكف على كتابة مجموعة من النصوص تمثل مشروعا لمسرح اليوميات لا أزال أبحث فيه ومنه وعنه، كنت وما زلت مغرما بتجربة شكل جديد لكتابة النص المسرحي لم أنزع عنه تقاليده لكني حاولت أن أخوض تجربتي * أين وصلتم بالصورة الذهنية للمسرح السعودي؟ - نحاول أن نصل، نحفر وننحت في صخر وفي ماء وفي هواء، لدينا حالة من النضال كل من يعمل بمسرحنا مناضل لأنه يصنع من اللاشيء شيئا هو يعمل دون إمكانيات ومع ذلك يبدع، يقدم نفسه داخليا وخارجيا بما يفوق إمكانياته يتفوق على نفسه وعلى عوائقه وعلى كل شيء، وصلنا لحالات من فردانية المشروع، كل يعمل ويجتهد وفق ظرفه الزماني والمكاني والمادي. * وأين تلتقي وتفترق تلك الصورة عن الواقع؟ - في الواقع الصورة تبدو مظلمة لا إطار لها، لكن في داخلها هنالك إشراقات جميلة وتلك النقاط الشديدة البياض التي نجدها في الصورة السوداء هي خلاصة تجربة مهمة قادها مبدعون في كل مدن بلادنا وأخص بالذكر تجارب إبداعية في الأحساء والدمام والرياض والطائف وجدة ونجران، لدينا طموح كبير نعمل به، نحاول نشر البياض في لوحة مظلمة لا إطار لها. * من نسأل عن تواضع التجربة المسرحية السعودية بعد عقود من العمل؟ - هي ليست متواضعة لكنها متذبذبة العطاء بسبب أنها ليست قائمة على مشروع، هنالك تجارب مهمة للمسرح السعودي، ومحطات مهمة تستحق الوقوف عندها، وقدمت نفسها عربيا بشكل جيد، لكن المسرح مشروع دولة يجب أن تبنى هياكله الأساسية لكي ينطلق في وضع صحي وأهمها وجود المبنى المسرحي، كيف يمكن أن تعمل دون قاعة مسرح، كيف تبني بروفاتك وخطتك في العمل من إضاءة وديكور وسينوجراف دون قاعة تعمل عليها، كيف تعرض؟ ولمن؟ وأنت لا تملك قاعة تعرض عليها، عندما تبنى القاعات في كل المدن سنرى مسرحا وسنرى مشروعا، ولن نعود لنتحدث عن تواضع تجربة. * لماذا فشل المسرحيون في الانسجام مع المجتمع؟ - لأنه ليس لديهم طريقة التواصل مع المجتمع وهو المسرح الذي نعرض عليه، كيف يحصل التواصل وأين؟ المسرح السعودي يحتاج إلى مشروع توطين حتى يستقر في مكانه، هو مهاجر دوما من قاعة إلى أخرى، ولذلك لا يحظى بفرص التواصل الإعلامي والمجتمعي، لأنه لا قرار له، والقرار يحتاج إلى قاعة، والقاعة غير موجودة، وإن وجدت فهي تعار ليوم أو ليومين أو لأسبوع، وبعدها تعود للبحث عن قاعة أخرى تتسول فيها البقاء أكثر من يوم مع العلم أنه حتى هذه القاعات غير مجهزة، في تجربة أمانة الرياض السنوية عندما تم توفير المكان والدعم المادي وقدمت العروض الثابتة المكان والزمان ودعمت بشكل جيد شاهدنا حالة الانسجام تعود. * المجتمع بمثابة شفرة العقدة المسرحية التي لم تشفع لها كل المحاولات والاجتهادات من أجل وضع مسرحي راق ومقبول على نطاق واسع.. متى تجدون القبول؟ - القبول موجود، لسنا مطاردين أو ممنوعين، كيف يمكن أن تستمر تجربة لأكثر من 50 عاما تمارس نفسها وتخلق أجيالها دون أن يكون لها قبول، لكن المشكلة في التواصل في القاعات في الدعم، لا أتصور أن لدينا مشكلة رفض وقبول. المسرح يتكون ويكون جمهوره من خلال قاعات عرض دائمة وثابتة، أين المسرح الذي يمكن أن تعمل وتعرض عليه وتبني من خلاله جمهورك، أنا أتكلم عن المسرح المبنى الذي لا تملكه فرقة مسرحية في بلادنا، لدينا مسارح لجهات لا تحتاج إلى المسرح والجهات التي تحتاج إلى المسرح ليس لديها هذه المسارح وهي مدفوعة للتسول عن مسرح تعمل به قد يمنح لها لفترة عروض قصيرة بشروط قاسية، وقد لا يمنح لها وبالتالي هي مدفوعة لتعرض كل يوم في بيت مختلف، فكيف سيعرف المشاهد مواعيد العرض وأماكنها وأنت كمسرحي تعمل كل يوم في مكان مختلف، وتصور لو كان لديك مسرح خاص بك أو مركز ثقافي عندها سيعرف الناس مواعيد العروض وأماكنها وبرامجها وستكون هنالك برامج استضافة وإضافة وعندها سيتكون جمهور المسرح الذي يرتبط به عن وعي وحاجة ومع كل ذلك لا يزال للمسرح دوره الذي لم ولن يغيب بسبب قدرة هذا المسرح ككائن حي تفاعلي على صنع حالته وعلى مقاومة الحالة التي تفرض عليه المسرح مشروع دولة، هو بحاجة إلى دعم الدولة في بناء الهيكلة الأساسية من مبان ومستلزمات لا يستطيع المسرحي الفرد أن يقوم بها، كما أنه بحاجة إلى دعم الدولة في منحه الدعم الكافي ومنحه المكان الذي يعمل فيه حتى يقوم صحيحا نشطا فاعلا. * المسرح المدرسي قد يكون جواز عبوركم لمسرح سعودي حقيقي وفاعل.. كيف السبيل للخروج برؤية مدروسة لتوظيفه من أجل خدمة المسرح؟ - نحن نعرف تماما أن المسرح لدينا بدأ من خلال المدارس «المسرح المدرسي» الذي شكل بدايات المسرح السعودي شكلا ومضمونا، ومعظم نجوم المسرح انطلقوا من المسرح المدرسي لكن هذا المسرح بدأ يتلاشى منذ عشرة أعوام تقريبا وأهملت برامجه وزارة التربية والتعليم التي أنكرت هذا المسرح عندما رفضت منحه حتى اسمه لتحوله «إلى نشاط ثقافي» الاسم الجديد للمسرح المدرسي الذي بات مهتما بالفرق النموذجية لطلاب المرحلة الثانوية والمهرجان السنوي الذي يقام لهم وأهملت تماما مسرح المدارس وأنشطة المسرح في كل مدرسة، هنالك خطط للعودة في وزارة التربية والتعليم خطط عملية وجيدة، تجتمع من أجلها اللجان وتنفض دون أن يُنفذ شيء، المسرح المدرسي لن يتحرك أبدا بمهرجانات الفرق النموذجية ولا بعروض الجنادرية ولا بالاجتماعات واللجان هو لن يصبح فاعلا دون العودة لنشاط المسرح في المدارس بمختلف مراحل التعليم، ولكي يعود على الوزارة أن تعيد له اسمه الذي سلب منه ما معنى أن تسمى النشاط المسرحي نشاطا ثقافيا، هل هنالك خشية من اسم المسرح؟ هل هو اسم محرم مثلا.. هنا يكمن السؤال وتكمن الإجابة أيضا. * هل تتفق مع الرأي بأن النص جزء من أزمة المسرح وليس الحل؟ - النص المسرحي موجود ومتوفر ومن يبحث عن النص الجيد سيجده، النص المسرحي لا يموت فهو متجذر في عمق المسرح لذلك تعيش نصوص شكسبير حتى الآن وتنفذ عشرات المرات في كل بلاد العالم، وكتاب المسرح في العالم قليلون بطبيعة تكوين هذا الجنس الأدبي والفني، لكن ما يجعل في الأمر سعة أن النص الجيد الواحد يكفي لعشرات الفرق المسرحية فهو ينفذ مرات ومرات بطرق مختلفة واتجاهات إخراجية متنوعة وأداء تمثيلي مختلف، عن نفسي لا أتصور أن هنالك أزمة نص هنالك أزمة بحث عن نص جيد، أزمة تعامل مع نص جيد. * هل هناك جهد بحثي وأكاديمي مناسب لدراسة وضع المسرح وتطويره؟ - هنالك الكثير من الدراسات التي قدمت وتقدم في مختلف الفعاليات التي تهتم بالمسرح من أجل مناقشة المشاكل ووضع الحلول وفي الأعوام الأخيرة كان هنالك العديد من رسائل الماجستير والدكتواره حول ذلك، المشكلة ليست في البحث والدراسة المشكلة في الفعل الحقيقي لحل المشاكل. * ما الذي قدمته المهرجانات المسرحية من إضاءات لالتماس أسباب الإخفاق ومعالجتها؟ - المهرجانات المسرحية تعيد للمسرحي تكوينه، هذه هي حصيلة تجربتي مع المهرجانات المسرحية التي حضرتها والتي تزيد عن 60 مهرجانا، بعض العروض بهذه المهرجانات تكون كافية لتعيد لك نفسك وروحك المسرحية، ومشاغباتك وتداخلك مع المسرح من المسرح وللمسرح، إنها حروف جر شديدة الفعالية، ويكفي لكي تتداخل مع هذا العرض أو ذاك أن يستفزك المخبوء داخله لذلك بعض العروض تستفزك، تجعلك تعيد اكتشاف ذاتك وتعيد ترتيب محتويات المسرحي لديك، تجعلك تكتشف أن النقطة التي توقفت عندها متوقعا ومتوهما أنها نقطة الوصول هي نقطة في خط طويل وممتد تحيلك هذه النقطة إلى نقاط أخرى تصاعدية، أفقية ورأسية. وليس من الضروري أن تكون كل عروض المهرجان من ذلك النوع، ولكن يكفي أن تجد عرضا ما يشع بالجنون والإبداع ليجعلك ذلك تقف في حالة بحث عن ترتيب بيتك المسرحي وإعادة تأثيث هذا البيت بما يناسب ظروف العرض المسرحي الذي استفزك. المهرجانات تخلق عوالم التجديد والابتكار وتلاقح الأفكار وخلق فرص العمل المشترك والتعاونات الجديدة وبها ما يستفز فينا المسرحي المتوهم وما يحيلنا إلى نقاط كثيرة في ذلك الخط الذي كنا نتصوره يقودنا لنقطة الوصول. * لا بد من أن لديك رؤية عميقة من واقع تجربتك لتفسير عجز المسرح عن فعل ثقافي أفضل أسوة بغيره من الأنواع الثقافية والإبداعية.. فما هي؟ - لا يزال للمسرح دوره الذي لم ولن يغيب بسبب قدرة هذا المسرح ككائن حي تفاعلي على صنع حالته وعلى مقاومة الحالة التي تفرض عليه. المسرح كما سبق أن قلت مشروع دولة، هو بحاجة إلى دعم الدولة في بناء الهيكلة الأساسية من مبان ومستلزمات لا يستطيع المسرحي الفرد أن يقوم بها، كما أنه بحاجة إلى دعم الدولة في منحه الدعم الكافي ومنحه الحرية الكاملة حتى يقوم صحيحا نشطا فاعلا، أما جهود الأفراد فهي جهود مهمة في تبني المشاريع ذات القيمة الفنية والفكرية وكما أننا نقول إنه لاغنى لنا عن جهود الدولة فكذلك لاغنى للمسرح عن جهود الأفراد، هي ببساطة عملية تكاملية يدعم فيها كل طرف الآخر، ولذلك تجد الدول التي تهتم بالمسرح لديها أفراد مهتمون بالمسرح وبالتالي هناك دور نشط وفاعل لهذا المسرح، بينما تختل العملية لو كان هنالك دولة تهتم دون أفراد، أو أفراد مهتمون دون دعم من الدولة، وأمثلة هذه الحالات الثلاث موجودة على الطبيعة وفي مختلف العالم. هنا الخلل الذي كنا نتحدث عنه حول وجود الأفراد وعدم وجود المؤسسات، في الداخل أين هو المسرح الذي يمكن أن تعمل وتعرض عليه، أنا أتكلم عن المسرح المبني الذي لا تملكه فرقة مسرحية في بلادنا، لدينا مسارح لجهات لا تحتاج إلى المسرح والجهات التي تحتاج إلى المسرح ليس لديها هذه المسارح وهي مدفوعة للتسول عن مسرح تعمل به قد يمنح لها لفترة عروض قصيرة بشروط قاسية، وقد لا يمنح لها وبالتالي هي مدفوعة لتعرض كل يوم في بيت مختلف، فكيف سيعرف المشاهد مواعيد العرض وأماكنها وأنت كمسرحي تعمل كل يوم في مكان مختلف، وتصور لو كان لديك مسرح خاص بك أو مركز ثقافي عندها سيعرف الناس مواعيد العروض وأماكنها وبرامجها وستكون هنالك برامج استضافة وإضافة. * ما أكثر ما يشعرك بالمرارة وأنت تجتهد مع آخرين للحصول على استحقاقات المسرح كما في كثير من الدول؟ كم مر على تأسيس وزارة الثقافة والإعلام لدينا؟ وكم عدد المشاريع التي نفذت لبناء مقرات للمسرح ولبناء مراكز ثقافية ولبناء مقرات لجمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية؟ نحن في بلد عظيم يبنى فيه كل شيء المدارس، المستشفيات، الطرق، الحدائق، المباني، الملاعب، فلماذا لا يكون لدينا مراكز ثقافية؟ لما لا تبنى المراكز الثقافية في كل مدينة بدعم الدولة ودعم القطاع الخاص على مشروع تتبناه الوزارة وتدعم طرق تمويله؟