بعد أن قضت البيروقراطية على ثلاثة أيام من حياتي لجمع كل الأوراق والتواقيع والأختام المطلوبة لملف معاملتي لدى إحدى الدوائر الحكومية، جئت في يوم آخر للسؤال عن مصيرها، فهي كمن يدخل إلى مغامرة غير محسوبة العواقب! لم يخب توقعي كثيرا، كان ذلك عندما بشرني الموظف بكل لطف وبشاشة بأن معاملتي قد فقدت! قالها مبتسما كأنه يبشرني بقدوم مولودي الأول أو بترقيتي المفاجئة! حاولت التأكد مما قاله فأعاد عليّ ما قال بذات الابتسامة وذات الفداغة! صحيح أنني كدت أفقد أعصابي كما فقدت معاملتي، إلا أنني تمالكت نفسي وحاولت التعامل مع الأمر بأسلوب متزن.. قررت أن أشكو هذا الموظف الذي يمتاز بالإهمال والاستهتار إلا أنني آثرت أن أبدأ في طرح الحلول المتاحة، بالطبع كان أسوأها الحل القائل بأن أعيد بناء المعاملة من أول طوبة وأول توقيع، لأن هذا ببساطة يقتضي أن أتناول المزيد من الحبوب المهدئة للأعصاب! طرحت فكرة أن أساعد الموظف في البحث عن معاملتي المسكينة! أنا مواطن صالح ومستعد لخدمة وطني في تسهيل إجراءات معاملتي. يجب أن يكون الأمر بهذه الصورة، هكذا قلت لنفسي، لن أتطرق أبدا لفكرة إهمال الموظف أو تسيبه، كل ما في الأمر أن معاملتي الشقية توارت عن الأنظار، وهي الملامة على أمر كهذا، تجاوب الموظف مع طلبي ووافق على مضض، بعد أن أخذ الموافقة من ثلاثة آخرين لم أتنبأ بمراكزهم الوظيفية أو مستوى ذكائهم، أوصلني عبر دهليز خلفي إلى مكتب مغلق بإحكام، قال لي بنبرة مرتفعة: ربما تجد معاملتك هنا، وسواء وجدتها أم لم تجدها لا تعد إلي أبدا، فقد أخذت من وقتي الكثير! قال جملته الأخيرة بحنق وضيق، فشكرته بامتنان عميق، وخشيت أن يطردني من منجم الكنوز هذا فأخسر فرصتي الثمينة في إيجاد معاملتي العزيزة.. وسيتضح لكم في الغد كم كانت سخيفة فكرة البحث بين الأنقاض!