كان البحث عن معاملتي المفقودة في الدهاليز الخلفية لتلك الدائرة الحكومية أشبه بمسابقة البحث عن الكنز التي تستغرق أياما عدة ولا يربح فيها أحد! إلا أنني كنت مجبرا على خوض ذلك السباق كلما تذكرت أن الخيار الثاني الذي لا سواه هو البناء من أول طوبة! أي بمعنى آخر، العودة للدرجة الأولى من سلم البيروقراطية، وأن أقضي ثلاثة أيام أخرى للتنزه بين مكاتب تلك الدائرة بملف معاملتي الجديد للسلام على كل الموظفين فردا فردا ولجمع كل الأوراق والتواقيع والأختام المطلوبة! بعد أن سمح لي سعادة الموظف الكريم أن أبحث بنفسي عن معاملتي المشؤومة بقيت لساعات في ذلك المكان، أسبح بين أكوام المعاملات القديمة والأوراق البالية وذرات الغبار التي تملأ المكان، وكلما لاح لي طرف معاملة في أقصى الركام، وسوس لي الشيطان الرجيم أنها جوهرتي التي أنشد.. سددت أنفي وسبحت حتى أصلها، لأستعيذ بالله منه بعد أن أكتشف أن ما رأيته لم يكن إلا هيكلا عظميا لمعاملة أجزم أن صاحبها مات منذ سنوات! مات، رحمه الله، وفي اعتقاده أن معاملته تأخذ مجراها الطبيعي! انتهت حياته، غفر الله له، ولم تنته بعد إجراءات معاملته تلك! كما كان متوقعا في مثل هذه الحالات لم أجد شيئا! أو على الأقل لم يكن بوسع من يدخل ذلك المكان إلا الخروج بتلك النتيجة مهما كانت قدراته العقلية ومهاراته الذهنية وخبراته المهنية في البحث والتنقيب عن المفقودات! عند خروجي من تلك الدائرة الحكومية، صادفت خروج مديرها العام، حافظت على رباطة جأشي ومثاليتي في التعامل مع الموقف، وأنشدت أمامه: يا أعدل الناس إلا في «معاملتي» فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!