دعا عدد من العلماء إلى وضع حد للمعبرين الذين أصبحوا يتكاثرون في الفضائيات والإذاعات يؤولون للعامة رؤاهم وأحلامهم دون علم أو سند شرعي، مشيرين إلى أنهم إنما يفعلون ذلك بغرض الكسب المادي وهي وسيلة رخيصة يستغلون فيها هموم الناس وهواجسهم حول ما يرونه، ويستحقون عليها وضع «الكلبشات» في أيديهم حتى يقف الناس على حقيقتهم. وقال بعضهم إن المعبرين الذين يتاجرون بالتفسير لا يحسنون التعبير عن الرؤى والأحلام، وتطفلوا على هذا المجال، داعين الله أن يسامحهم على ما أخرجوه من كتاب «تفسير الأحلام» لابن سيرين الذي حفظوه ليخرجوا للناس على شاكلة المفسرين ويؤولوا بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان مستغلين جهل العامة وحاجتهم للتفسير، فلا يجدون أمامهم سوى هؤلاء دون إمكانيات أو مواهب حقيقية تؤهلهم للقيام به. الشيخ إبراهيم الرويس يرى أن اقتحام مجال تفسير الرؤى والأحلام من قبل بعض المعبرين ما هو إلا وسيلة رخيصة للكسب المادي «عدد من هؤلاء لا يحسن تعبير حتى الرؤى التي لا تحتاج إلى تعبير، وكثيرا ما أتساءل عن الخلفية التي ينطلق منها هؤلاء، وسامح الله من أخرج كتاب ابن سيرين، فقد تطفل على هذا المجال من هم من غير أهله وأصبحوا يقرؤون الكتاب وبعضهم يحفظه ويخرج للناس وكأنه معبر رؤى زمانه». ويؤكد الرويس أن التعبير بالإجمال هو ظني ويمكن معرفة المعبر الحقيقي من غيره من خلال أمور واضحة وضوح الشمس، ولا مجال للفلسفة أو محاولة تأويلها بطريقة تبين أن هذا المعبر لا يفقه في الحقيقة «أنت مثلا لا تعرف في تأويل الأحلام، سأعطيك رؤيا وكيف عبرها أحدهم بشكل مضحك.. رأت امرأة رؤيا وقالت للشيخ: يا شيخ رأيت أنني أصعد درجا، فقط هذه هي الرؤيا، مختصرة تماما، بماذا أجابها الشيخ؟ قال: أنت تحبين اللون الأخضر، في نفسي كنت أضحك وأتألم في نفس الوقت، حتى أصبح بعض الناس يصل إلى هذا الحد، ولعل ما أسميتها بالكلبشات يستطيع من خلالها السائل القبض على هؤلاء المعبرين ويتعرف على حقيقتهم، وذكرتها للشيخ يوسف المطلق، ووافقني عليها، وتفسيرات مثل «هم سيزال»، «شر سيفرج»، «بشارة خير قادمة»، «خبر سار» هذه ليست تأويلات، هذه بتعبير عامي بسيط «تصريفات» يلجأ إليها المعبر المبتدئ، إذا تورط قالها، وخرج من الفخ». أكبر من حجمها مفسر الرؤى الشيخ حامد المبيض يرى أن هذه القضية أعطيت أكبر من حجمها، فالرؤيا وتأويلها بشكل عام، لا ينبغي للإنسان أن يتوسع فيها وفي تأويلها، أو البحث عن معبري الرؤى لأجل أن يؤولوا له رؤاه «من الواجب أن يلتزم سواء المعبر أو السائل بالحدود الشرعية المطلوبة، هذا من ناحية، أما من ناحية التهافت الذي عليه الناس واضطرار بعضهم لدفع الأموال حتى يتمكنوا من تعبير رؤاهم». ويشير المبيض إلى أن هذا التصرف الذي يقوم به البعض مبالغ فيه ولا يستدعي كل هذا الاستنفار والبحث عن أرقام المعبرين بصورة تدل على الاهتمام البالغ والزائد، وربط بين التوسط في التعبير من قبل المعبر وكذلك السائلين. وحول ارتباط تعبير الرؤى بالفتوى الشرعية وأنها تقف وإياها في خط واحد، أكد أن بعض أهل العلم جعل الرؤيا بمثابة الفتوى، ولكن رأيي الشخصي أنها ليست فتوى على اعتبار أن الفتوى يجب أن يستند في الإجابة عنها إلى دليل شرعي، وهذا مما لا يمكن توفره في الرؤيا وتعبيرها، وعن الخطوط الجديدة وبدعة خطوط 700 التي أفتى طلاب العلم والعلماء بحرمتها، يؤكد المبيض أن استخدامها من قبل البعض لا مبرر له، مستثنيا أن يتقاضى المعبر بعض المال لقاء تفرغه لهذه المهمة، ورفض أن يكون المعبر مجاملا لصاحب الرؤيا خاصة لو تقاضى من قبله مالا، كما يحدث في الاتصالات المدفوعة. وينصح المبيض بضرورة تقوى الله عز وجل، وأن يكون معبر الرؤى على قدر المسؤولية التي تعهد للقيام بها، وحول الشروط المطلوب توفرها في معبر الرؤى «هناك ممن دخل هذا المجال وهو ليس من أهله شأنه شأن كافة العلوم والمعارف، ولكن ينبغي أن يعرف المعبر أنه صاحب علم وتقوى، وأن يذكر بخير بين الناس، وأن يكون مرتبطا بالعلماء الراسخين، لأن البعض قد يقتحم هذا المجال وهو غير مؤهل تأهيلا كاملا، لذا لابد للناس أن يتعرفوا على من يكون مؤهلا بشكل كاف، ولابد أن تظهر الديانة والصلاح على سيماه، ومن الضروري أن يبحث الناس عن المعبر الصالح، الذي تظهر عليه تلك العلامات. الأجرة على الطاعات من جهته لم يمانع معبر الرؤى الشيخ محمد السعدان في أخذ المقابل خاصة أنه لم يرد نص شرعي يحرم هذا أو يفصل فيه «إذا كان هذا الشخص حاذقا وله دراية بتعبير الرؤى وكان يأخذ هذه الأجرة مقابل ما بذل من جهد لتعبيرها لا مقابل تفسيرها على وجه القطع بمعناها بحيث لا تحتمل معنى غيره أنه لا حرج عليه في ذلك، جاء في كتاب مجمع الأنهر وهو في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قوله: بخلاف بناء المساجد وأداء الزكاة وكتابة المصحف والفقه وتعليم الكتابة والنجوم والطب والتعبير والعلوم الأدبية، فإن أخذ الأجرة في الجميع جائز بالاتفاق». ويضيف السعدان «مجرد كون هذا الأمر قائما على الظن فليس بمانع شرعا من أخذ الأجرة على جهده لا على صدق هذا التعبير ونحوه، ونظير ذلك أخذ الطبيب أجرة على ما يبذله من جهد في المعالجة، وأخذ الراقي أجرا على الرقية على ذلك، فالأجرة جائزة عند عامة أهل العلم لأنها على الجهد المبذول لا على الشفاء الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وتحديد الأجرة يكون حسب ما يتراضى عليه الطرفان». وينبه السعدان بألا يقدم من أراد على تعبير الرؤى إلا إذا كانت له ملكة تؤهله لذلك، ولا ينبغي لمن كان على شيء من هذا العلم أن يغتر بذلك، بل عليه أن يتذكر أن هذه نعمة أنعم الله بها عليه، وأنه ربما سلبها بسبب اغتراره. وحول الحدود التي يجب التوقف عندها من جهة المعبر أو صاحب التعبير، يوضح «من المهم جدا ألا يطعن في الذوات والحكم على الناس من خلال الرؤى، فإن مبناها على الدلالة الظنية لا القطعية وقد يدخل ذلك في البهتان، وضرورة أن يسأل الرائي عن حاله وعدم الاكتفاء بسماع الرؤيا لأن السؤال يجلي واقع السائل ويقرب الصورة أكثر، كما على المعبر أن يفرق تماما بين أضغاث الأحلام وحديث النفس وتسلط الشيطان». ويضيف السعدان «ليس كل ما يعرض من الرؤى يعبر، وينهج أئمة التعبير ذلك حتى لا ينشغل الناس بها وتقوم مقام السؤال عن أمور الدين، وعلى معبر الرؤى معرفة الواقع والاطلاع على هموم الناس، فذلك مهم في التعبير وعدم الانعزال وراء الواقع الذي يعيشه الناس، لأن الرؤى أحيانا تتشكل من محيط الرائي وثقافته السائدة». ويتناول السعدان الضوابط التي لابد أن يتقيد بها السائل «من المهم أن يضع في حسبانه أن ليس كل ما يرى بالمنام يسأل عنه إلا ما ظهر صلاحه وعدم التعلق بالرؤيا وتعبيرها على اعتبار أن الرؤى مبنية على الظن قطعية، كما أن على السائل أن يصدق في عرض الرؤيا ويصدق في إجابة المعبر حال سؤاله حتى يستفاد من الرؤيا، وعدم التواكل من قبل السائل على ما يحصله من بشائر وإنما يدفعه ذلك إلى البحث عن مظان تحقيقها وبذل الأسباب المباحة في تحصيل البشارة إن وجدت في التعبير، لأن التواكل لا يصنع شيئا وكذلك الحال في الانتهاء عن محظور شرعي لأن الرؤيا مهما كانت في بشارتها كما قال الإمام أحمد تسر ولا تغر، فيجب عدم الاغترار بها والاستناد إلى ما جاء فيها وتزكية النفس من خلالها»