لم يكن أسوأ المتشائمين عبر التاريخ يظن يوما من الأيام أن أحلامه لن تصبح بالمجان مستقبلا، والقاعدة الجديدة تقول “الحلم مجانا ولكن التفسير بفلوس”؛ فمفسرو أو معبرو الأحلام والرؤى باتت سوقهم من أكثر الأسواق ربحا، على اعتبار أن الناس ما زالوا يحلمون، فعلى هذا الأساس سيكونون من أكثر الناس ربحا وثراء. “شمس” فتحت ملف الرؤى والأحلام، عبر المحور الساخن، المتعلق بجمع الأموال من خلال خطوط ال700 وكذلك رسائل الsms التي أفتى العلماء بتحريمها سابقا، ومع ذلك ما زالت تُستخدم من قبل بعض مفسري الأحلام، وحول التهافت الكبير لتأويل الرؤى، وخروج الكثير ممن يدعي صلته بهذا العلم، وافتتاح القنوات المتخصصة في تعليم الرؤى وتفسيرها؛ ليفتح الباب على مصراعيه لكل أحد؛ لتكون في المستقبل مهنة من لا مهنة له. الشيخ حامد المبيض مفسر الرؤى الذي تحدث إلى “شمس” عن هذا الموضوع يرى أنه أُعطي أكبر من حجمه؛ فالرؤيا وتأويلها بشكل عام لا ينبغي للإنسان أن يتوسع فيهما، ويبحث عن معبري الرؤى كي يؤولوا له رؤاه، ومن الواجب أن يلتزم سواء المعبر أو السائل بالحدود الشرعية المطلوبة. هذا من ناحية، أما من ناحية التهافت الذي عليه الناس واضطرار بعضهم لدفع الأموال حتى يتمكنوا من تعبير رؤاهم فيرى المبيض أن هذا التصرف الذي يقوم به البعض مبالغ فيه ولا يستدعي كل هذا الاستنفار والبحث عن أرقام المعبرين بصورة تدل على الاهتمام البالغ والزائد. وربط فضيلته بين التوسط في التعبير من قبل المعبر والسائلين. وحول ارتباط تعبير الرؤى بالفتوى الشرعية وأنها تقف وإياها في خط واحد أكد فضيلته أن بعض أهل العلم جعلوا الرؤيا بمثابة الفتوى، ولكن رأيي الشخصي أنها ليست فتوى على اعتبار أن الفتوى يجب أن يستند في الإجابة عنها إلى دليل شرعي، وهذا مما لا يمكن توافره في الرؤيا وتعبيرها. وعن الخطوط الجديدة وبدعة خطوط 700 التي أفتى طلاب العلم والعلماء بحرمتها أكد المبيض أن استخدامها من قبل البعض لا مبرر له، واستثنى أن يتقاضى المعبر بعض المال لقاء تفرغه لهذه المهمة. ورفض المبيض أن يكون المعبر مجاملا لصاحب الرؤيا خاصة لو تقاضى من قبله مالا، كما يحدث في الاتصالات المدفوعة، ونصح بضرورة تقوى الله عز وجل وأن يكون معبر الرؤى على قدر المسؤولية التي تعهد بالقيام بها. وحول الشروط المطلوب توافرها في معبر الرؤى أكد فضيلته أن هناك من دخل هذا المجال وهو ليس من أهله، شأنه شأن كافة العلوم والمعارف، ولكن ينبغي أن يعرف المعبر بأنه صاحب علم وتقوى، وأن يُذكر بخير بين الناس، وأن يكون مرتبطا بالعلماء الراسخين؛ لأن البعض قد يقتحم هذا المجال وهو غير مؤهل تأهيلا كاملا؛ لذا لا بد للناس أن يتعرفوا على من يكون مؤهلا بشكل كاف، ولا بد أن تظهر الديانة والصلاح على سيماه. وختم المبيض حديثه بضرورة أن يبحث الناس عن المعبر الصالح. الحارثي: خطوط 700 لتغطية مصاريف العاملين واعتبر الدكتور يوسف الحارثي معبر الرؤى المعروف، الذي تحدث إلى برنامج إضاءات عن ذات الموضوع، أن الأحلام موجودة في حياة الإنسان، وأنها (أي الأحلام) باب كبير من الأبواب التي تكلم فيها العلماء وتكلمت فيها الشريعة منذ أمد بعيد، بل هي من أشرف العلوم كما قال ذلك غير واحد من أهل العلم. وتطرق الحارثي إلى الاستخدام الخاطئ لتعبير الرؤيا ذاكرا أن الحل ليس في إغلاق باب التعبير وإنما في ترشيده، والسبب أننا لو تركنا الأمر والحبل على الغارب ولم يُنظّم هذا الأمر ولم تُوضع له أصول ينشرها أصحاب المنهج السليم سيضيع نفع عظيم على الناس. وحول تهافت الناس على تعبير الرؤى أكد الدكتور الحارثي أن هذه سنة ربانية؛ نظرا إلى حب الناس واهتمامها بالغيبيات، ولأن الرؤى كما أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) إخبار بالغيب، بل ذكر القرطبي وغيره أنه كان يعبر الرؤى صلى الله عليه وسلم ويقول لهم بعد صلاة الفجر: “هل رأى منكم أحد رؤيا؟”. وحول استخدام بعض المعبرين للخط 700 أكد الدكتور الحارثي أن سبب اللجوء إلى هذا الأمر هو المصاريف الكبيرة التي تتحملها الجهات الداعمة لمثل هذه المشاريع، وأرجع الأمر إلى شركات الاتصالات التي تشترط نسبا كبيرة، وكذلك مبالغ كبيرة؛ لعلمها التام بما يمكن أن تجنيه مثل هذه المشاريع. وحول المآخذ التي قد يقع فيها المعبر وقول البعض إن تعبير الرؤى من الفتن التي قد ينزلق فيها المعبر أشار الحارثي إلى أن الفتنة موجودة في هذا الباب، وأن المعبر إذا لم يتقِ الله سبحانه الله وتعالى في هذا الأمر ويراقبه ستحصل الفتنة من اتصال خاطئ. ونبه فضيلته إلى ضرورة أن تكون الرقابة الذاتية حاضرة؛ لأنها إذا لم توجد هذه الرقابة سواء من المعبر أو حتى المتصل بالتأكيد ستأتي مثل هذه الخروقات؛ فالمعبرون ليسوا ملائكة. وختم الحارثي حديثه بضرورة وجود إطار يحدّ الإنسان ويمنعه من الكثير من التصرفات التي إن حصلت ستؤول إلى أمور سيئة لكلا الطرفين. الحوالي: الأحناف لم يمانعوا في أخذ الأجرة على الطاعات من جهته لم يمانع معبر الرؤى الشيخ عادل الحوالي في أخذ المقابل خاصة أنه لم يرد نص شرعي يحرم هذا أو يفصل فيه، وقال: “إذا كان هذا الشخص حاذقا وله دراية بتعبير الرؤى وكان يأخذ هذه الأجرة مقابل ما بذل من جهد لتعبيرها لا مقابل تفسيرها على وجه القطع بمعناها؛ حيث لا تحتمل معنى غيره، فلا حرج عليه في ذلك؛ إذ جاء في كتاب مجمع الأنهر وهو في الفقه الحنفي في معرض الكلام عن أخذ الأجرة على الطاعات: بخلاف بناء المساجد وأداء الزكاة وكتابة المصحف والفقه وتعليم الكتابة والنجوم والطب والتعبير والعلوم الأدبية، فإن أخذ الأجرة في الجميع جائز بالاتفاق”. وأردف الحوالي في حديثه بقوله: “إن مجرد قيام هذا الأمر على الظن ينفي وجود المانع الشرعي من أخذ الأجرة على الجهد لا على صدق هذا التعبير ونحوه، ونظير ذلك أخذ الطبيب أجرة على ما يبذله من جهد في المعالجة، وأخذ الراقي أجرا على الرقية على ذلك؛ فالأجرة جائزة عند عامة أهل العلم؛ لأنها على الجهد المبذول لا على الشفاء الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وتحديد الأجرة يكون حسب ما يتراضى عليه الطرفان”. ونبّه الشيخ الحوالي على ألا يقدم مَن أراد على تعبير الرؤى إلا إذا كانت له ملكة تؤهله لذلك، ولا ينبغي لمن كان على شيء من هذا العلم أن يغتر بذلك؛ بل عليه أن يتذكر أن هذه نعمة أنعم الله بها عليه، وأنه ربما سلبها بسبب اغتراره. وحول الحدود التي يجب التوقف عندها من جهة المعبر أو صاحب التعبير أوضح الحوالي “من المهم جدا ألا يطعن في الذوات والحكم على الناس من خلال الرؤى؛ فإن مبناها على الدلالة الظنية لا القطعية، وقد يدخل ذلك في البهتان، مع ضرورة أن يسأل الرائي عن حاله وعدم الاكتفاء بسماع الرؤيا؛ لأن السؤال يجلي واقع السائل ويقرب الصورة أكثر. كما على المعبر أن يفرق تماما بين أضغاث الأحلام وحديث النفس وتسلط الشيطان”. ونبّه الحوالي معبري الرؤى على أن ليس كل ما يعرض من الرؤى يعبر، وأن أئمة التعبير ينهجون ذلك حتى لا ينشغل الناس بها وتقوم مقام السؤال عن أمور الدين، وعلى المعبر معرفة الواقع والاطلاع على هموم الناس، وذلك مهم في التعبير، وعدم الانعزال وراء الواقع الذي يعيشه الناس؛ لان الرؤى أحيانا تتشكل من محيط الرائي وثقافته السائدة. وختم الحوالي حديثه الذي خص به “شمس” عن الضوابط التي لا بد أن يتقيد بها السائل، وأن يضع في حسبانه أن ليس كل ما يرى في المنام يسأل عنه إلا ما ظهر صلاحه، وعدم التعلّق بالرؤيا وتعبيرها على اعتبار أن الرؤى مبنية على الظن، كما أن على السائل أن يصدق في عرض الرؤيا ويصدق في إجابة المعبر حال سؤاله حتى يستفاد من الرؤيا. وأشار الحوالي إلى عدم التواكل من قبل السائل على ما يحصله من بشائر وإنما يدفعه ذلك إلى البحث عن مظان تحقيقها وبذل الأسباب المباحة في تحصيل البشارة إن وجدت في التعبير؛ لأن التواكل لا يصنع شيئا، وكذلك الحال في الانتهاء عن محظور شرعي؛ لأن الرؤيا مهما كانت في بشارتها (كما قال الإمام أحمد) تسر ولا تغر؛ فيجب عدم الاغترار بها والاستناد إلى ما جاء فيها وتزكية النفس من خلالها.