الأشخاص المختلفون دائما يتميزون في كل شيء حتى في لحظة رحيلهم، آخر لحظة بينهم وبين ما فوق الأرض لا تمر سهلة أبدا، كما كان الأمير سلطان ليلة البارحة، حيث دفنه والحشود الحزينة الملتفة حوله، والشعب خلف الشاشات، والانتظار الذي سبق، هذا الرجل لن يكتب التاريخ على صفحاته أبلغ من خيره، ولا أشفى من ابتسامته ومنظر جثمانه حين وصوله من بعد، وقدومه إلى أرض الرياض دون أن يهبها فخرا بمشية عز على أرضها، بل وهبها هدوء الموتى المهيب وحزنا لم يترك حتى ذلك العجوز الذي يردد هذه حال الدنيا، بل استرق العبرة وأتبعها بدمع دافق. دفن سلطان، وشخص كسلطان لا يدفن اسمه وأعماله معه، بل تبقى يذكرها كل من لمس فضله، وكل من انتزعه خيره من بقاع الفقر، وواثقة كل الثقة أن تلك اليدين التي قدم لها ما قدم لن تبرح ما تدعو له، وعيون الشعب تلك التي بكت من فاجعة فقده حتى يوم دفنه لا تكف عن الدعاء له في جوف كل ليل. ستبقى ذكرا للخير ما دامت الأرض والسماء، وسأسرد يوما ما لأطفالي تاريخ مسيرتك، وفاجعة الشعب برحيلك، وذلك الفجر الحزين الذي ولد لحظة إذاعة خبر وفاتك، وبرود كل الأشياء على أرض البلد ومشاركتها لنا بالحزن، وتوقف هواء الرياض عن مداعبة أغصان الشجر صباح دفنك سأروي كل هذا بنفس الحزن الذي يملأ عيني جدتي حين تسرد لي رحيل خالد وفيصل «رحمكم الله جميعا». لا أنسى في هذا المصاب الدرس الأعظم الذي قدمه الوالد الغالي في الوفاء والأخوة متمثلا في ذلك الشرع والأخلاق الإسلامية، متحاملا -أطال الله في عمره- على ذلك الوجع الذي أثقل كاهله، مرسلا إلينا المشهد الذي اعتدناه من قادة هذه البلاد في القوة واجتياز اللحظات الصعبة، تلك الصور لمليكنا لو نشرت في أكثر وكالات الأنباء شهرة دون تعليق، لوصل من خلالها الكثير من الأشياء العظيمة التي تجعل الشعب السعودي يردد: إلا عبدالله!