عاصر رجال كثيرون الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، ونهلوا من نبل أخلاقه وواسع حلمه، وبعد نظره، وكان لهم نبراسا ينير دروبهم ويسترشدون بمواقفه وكلماته، ومن هؤلاء الفريق متقاعد عبدالعزيز هنيدي، قائد القوات الجوية الملكية السعودية السابق، والذي رافق «سلطان الخير» على مدى أعوام طويلة ولازمه في كثير من الأوقات والمواقف، وأدلى الفريق بشهادات حية على مواقف متعددة للأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، وصف فيها كرمه وحلمه وعطفه وحزمه وتأثره بالمواقف الإنسانية وتلبيته حاجات الناس والمواطنين، بل تلبية حاجات سكان قارات شتى عندما شاهد حاجتهم وفقرهم. في البدء تحدث الفريق متقاعد عبدالعزيز هنيدي عن بداية علاقته وتعرفه على الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، عندما كان ملازما أول في القوات الجوية وكان الأمير سلطان، رحمه الله، يزور القوات المسلحة في المنطقة الشرقية، وقد كانت تلك الزيارة نقطة تحول في حياته، وقابل الأمير للمرة الأولى عن قرب، وشارك في إقامة مناسبة أقيمت بجهد جماعي من الزملاء في ذلك الحين، وتم تنظيم احتفال كبير جدا، وكان لافتا للنظر من حيث الترتيب والتنظيم وإعداد واجب الضيافة لقائد القوات المسلحة وزير الدفاع والطيران، وبادر الأمير بالشكر والدعاء وقال «أنعم الله عليكم وعلى من تكلف بهذا الحفل» ومنذ ذلك الحين أصبحت علاقته بالأمير سلطان أكثر قربا فأكثر، فهو، رحمه الله، كان يحب أن يستمع للمقترحات والشكاوى ويحرص على أن يعرف كل شيء؛ لأنه رجل متابع من الدرجة الأولى. وكان الأمير سلطان مدرسة في كل شيء في القيادة والحكمة والحنكة وأعمال الخير وتلمس حاجات الناس، و كان مثالا رائعا في كل عمل يتولى مهماته في المملكة والأمة. والعالم خسر رجلا فذا ورجل دولة عرف على كل الأصعدة. ولم يكن متسرعا في القرارات، بل كان حكيما متأنيا ومنضبطا في قراراته التي يتخذها، وكان له دور بارز في نجاح العلاقات السعودية مع البلدان العربية والإسلامية والدولية. ومن المواقف الكثيرة التي لا يمكن حصرها، ولكن تبقى في الذاكرة لا تمحى، منها أن الأمير إذا قام بزيارة إلى القوات المسلحة، يركز على الأفراد المحتاجين من العسكريين ويبادر بمعرفة مشكلاتهم وحلها وكم شاهدته، رحمه الله، والفرح يبدو على محياه، عندما يساعد أحدهم كما أنه، رحمه الله، كان يتابع حال الضباط المتقاعدين الذين يتعرضون لضائقة مالية بسبب أن بيوتهم مفتوحة والناس تتوافد عليهم باعتبار أنه من كبار الضباط، فكان يحرص على مساعدتهم كما أنني أتذكر أني كنت أعرض له بعض الحالات الإنسانية التي تصل إلي، وكان يبادر بمساعدتهم وتقديم العون لهم، ومن ذلك علاج المرضى وتأمين مساكن لهم، ومن بين المواقف أيضا أنه بكى، رحمه الله، عندما شاهد إحدى السيدات الإفريقيات في تقرير إخباري تجمع القمح من جحور النمل فتأثر كثيرا وأمر بأن يتم التحرك فورا لإغاثتهم وتأمين الغذاء والدواء لهم، ومن المواقف أيضا أن بعض الأسر في جنوب المملكة كانت تسكن في خيام ولا يتوفر لها لقمة عيش هانية، فبادر رحمه الله تعالى وأرسل إليهم لجنة وقامت بدراسة أوضاعهم وتأمين المسكن لهم، وأتذكر حادثة ضحك فيها الأمير سلطان أثناء الاستعداد لتشريف الملك فيصل، رحمه الله، لحفل افتتاح كلية الملك فيصل الجوية في الرياض، حيث كان من المقرر في الحفل تقديم عرض جوي كبير للطائرات وغيرها من العروض العسكرية الأخرى، وأثناء عمليات التجهيز للحفل حضر الأمير سلطان لموقع الحفل لتفقده وبعد أن تجول في الموقع اقترح عليه أن يجلس في الخيمة لوجود تكييف فيها ولتناول القهوة فوافق، وأثناء وجوده في الخيمة كان هناك مجموعة من العاملين السعوديين وغير السعوديين الذين يكملون تجهيزات الموقع قريبين جدا من الخيمة وكانوا يتحدثون بأصوات مرتفعة وكانوا يتكلمون على طبيعتهم، فوضع الأمير شماغه على منتصف وجهه، يرحمه الله، وأخذ يضحك والقيادات العسكرية المسؤولة عن الحفل شعرت بحرج كبير لهذا الموقف، فخرجت أنا على الفور وأبلغت العاملين بأن الأمير سلطان داخل الخيمة وطلبت منهم خفض أصواتهم، وأصروا أن يأتوا للأمير للاعتذار منه وحضروا وقدموا اعتذارهم من الأمير سلطان، الذي أكد لهم أنه لم يتضايق من سماع أحاديثهم. وكان الأمير سلطان رجلا قياديا، يقود ويتأثر به من حوله، ويجمع بين الجد والمرح، والحزم والرحمة، وكانت الابتسامة لا تغيب مطلقا عن وجهه إلا في الموقف الذي يمس شيئا من أمور الدين أو يغضب الله تعالى، وأيضا من صفاته أنه رجل الخير والعطاء. أنا لم أر في حياتي في العصر الحديث رجلا بكرم الأمير سلطان يستمتع بالعطاء. وابتسامة سلطان الخير، التي سوف نفتقدها، ابتسامة لها سحرها الخالد في نفوس كل من رآه وعرفه فهي ابتسامة خالدة. وكان الأمير، رحمه الله، يختلف في اتخاذه للقرار عن غيره، فكان إذا قام بزيارة إلى أي موقع للقوات المسلحة يطلب من صغار الضباط الحديث عن العمل الذي يقومون به، وقد لاحظته في إحدى الزيارات حينما بدأ أحد القادة الضباط بالشرح له فقال، رحمه الله، نعرف أنك عندك علم بكل شيء، ولكن أريد من هؤلاء أن يتحدثوا بأنفسهم وأسمع منهم وهذا الأمر كان يساعده في اتخاذ القرار فهو لا يقرر حتى يسمع ويستشير ويكون رؤية واضحة فتكون قراراته، ولله الحمد، صائبة إلى أبعد الحدود. إن الأمير سلطان جامعة كانت تسير على الأقدام بفضل ما لديه من فكر وعلم وتجارب كبيرة امتدت منذ أن كان في سن ال17 مع والده الملك عبدالعزيز وتولى العديد من المناصب وهو صغير، ولكنها خلقت له تجارب كبيرة سخرها في خدمة شعب المملكة والأمتين الإسلامية والعربية. ومن يرى كيف أن نبأ وفاة الأمير سلطان لم يكن عاديا، بل حدث هز العالم وقد كانت ردود أفعال الناس، سواء في الداخل أو الخارج، وكذلك ردود أفعال قادة العالم تعد شهادات خير لأميرنا الراحل الذي قضى جل وقته في خدمة الإنسانية .