وكأن الخير بات يتيما برحيل سلطان.. وكأن العطاء نقص إنسانا.. وكأن الكرم والجود اختل الميزان.. لقد غادر دنيانا الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى رحمة الله الواسعة، وكما اتسعت القلوب بحبه واستضاءت بابتسامته المضيئة، ضاقت بحزنها وانتبذت مكانا قصيا تعتصر ألم الفراق والوداع، فكم لسلطان القلوب من محبة في النفوس تغوص في الأعماق مع كل فعل نبيل يقوم به من أجل أولئك الذين يعانون ويكابدون ويحتاجون ويألمون ويكدون في طلب حاجاتهم، فيكفكف الدمع ويواسي النفس ويبلغ بها ما تأمله. إنه الرحيل إلى الرفيق الأعلى إلى المليك المقتدر الذي ترتفع له أكف الضراعة أن يقبل سلطان القبول الحسن.. وأن يسكنه فسيح الجنان.. وأن يوسع عليه كما وسع على كثير من العباد، فقد كانت نفسه الكبيرة تقبل الناس بكل متاعبهم فيحملها بأثقالها ويضعها عنهم، فهي تلك الأمانة التي تنوء بحملها العصبة والجبال يحملها دون ضيق وكدر دون أن تفارقه ابتسامته المشرقة التي تخفي الكثير من رهق العمل ومتاعب التكليف. رحل سلطان الخير ولكنه باق في القلوب يشرق بجمال الخير الذي غرسه في عالمنا مؤسسات وجمعيات، ولا ننسى ما قاله عند إنشاء أكبر مدينة طبية تأهيلية في العالم «كل ما أملكه في المملكة من مبان وأراض وكل شيء عدا سكني الخاص ملك لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية» ومن يفعل ذلك فهو الجود والكرم ومسكنه دوما قلوب الملايين التي أصابها خيره طوال عمره، فما قام به من أعمال البر والخير مما يرجح بإذن الله ميزانه، ويرتقي بحسناته، فقد عزز الخير في كل موطئ وطئه. يحدث الخبير به الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض عن شخصية الأمير سلطان «إن الأمير سلطان بطبعه منذ خلق وهو مؤسسة خيرية بذاته، وصاحب خير، ويسعى للخير، وكل مكان يكون فيه لا بد أن يكون له فيه عمل خير؛ فسلطان بحق هو مؤسسة خيرية قائمة بذاتها» وذلك قبس من رحيق السيرة العطرة بكل نبيل وجميل وعميق في الأصالة الإنسانية. لقد وضع الأمير سلطان حياته وكل طاقته من أجل وطنه وشعبه وأمته، وكان في نشاط لا يهدأ، وذلك أقل من أن نشهد عليه ونحن نراه في حراك متواصل، وإنما نشهد لوجه الله أنه قام بواجبه على الوجه الأكمل وكان مع الناس في أفراحهم وأتراحهم يبارك ويواسي، ويسأل عن الأحوال ويوفي بالعهود تنمية ورخاء ورفاهية لبني وطنه.. كان بحق رجل الدولة الذي يجهد نفسه لأجل وطنه ومواطنيه. استطاع الأمير سلطان بكل الخير الذي فيه أن يغير مجرى حياة الكثيرين بإنهاء معاناتهم بسبب ضائقة مالية تواجههم أو عدم وجود مساكن لهم أو عدم قدرتهم على معالجة مريضهم وغير ذلك، وكان يحرص دوما على توفير العلاج للمرضى أو إرسال طائرات الإخلاء الطبي لنقلهم أو المصابين إلى المستشفيات والمراكز الطبية المتقدمة داخل وخارج البلاد وتقديم مساعدات مالية للمحتاجين أو تحويل مطالب البعض إلى الجهات المختصة لتحقيقها، فبلغ فضله مداه الواسع واستحق «سلطان الخير». والنفس التي تفجع برحيله لا تملك إلا الدعاء بأن يجعل الله الجنة مأواه، فهو الطيب المقيم في نفوسنا حاضرا وغائبا.