كانت حياة الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، كلها خير، فلم يكن ليذكر إلا ويقفز إلى الذهن جميع مترادفات الخير والعطاء، وهكذا عرفه الناس حتى أصبح هو الخير، فقد كان مجبولا عليه منذ صغره، ويتدفق عطاؤه حتى لا يرد معه طالبه، وعرفه أبناء وطنه حنونا وبارا بهم، وفيا إليهم ومخلصا في عطائه لأجلهم، امتدت أياديه البيضاء بعيدا لتكسو عاريا في شرق الأرض أو تطعم جائعا في غربها، لا يتوانى عن خدمة الإنسانية أينما كانت، وبذلك عرفه العالم رجل دولة وصاحب مبادرات إنسانية تضعه في مقدمة من يعملون ما فيه خير البشرية وسعادتها. بذل الأمير سلطان كل صنوف الخير للبشرية حتى لم يعد يدانيه فيما يعلم الناس إلا القليل، فقد كانت له بصماته في كل بقاع العالم حين أنشأ المستشفيات والمراكز العلاجية داخل وطنه وخارجه؛ لتقدم الرعاية الصحية لكل بني الإنسان، بل وتكفل بعلاج كثيرين وأقال عثرة المساكين والمحتاجين. كان الأمير سلطان طوال حياته مبادرا إلى أفعال الخير، وتثبت ذلك كثير من المواقف الجليلة ففي أوج أزمة مدينة غزة خلال العدوان الإسرائيلي، أعلن في الرياض في يوم 28 ديسمبر 2008 أنه بناء على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أصدر الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي أمره لرئيس هيئة الأركان العامة، والمدير العام للخطوط الجوية العربية السعودية بتنفيذ توجيه خادم الحرمين الشريفين القاضي بتأمين كل ما يمكن من جميع المستلزمات الطبية والأدوية بالتنسيق مع جميع المستشفيات في القطاعات كلها وشحنها حالا للأشقاء الفلسطينيين عن طريق مصر. كما تضمن التوجيه تأمين طائرات الإخلاء الطبي لنقل ما يمكن من المصابين والجرحى من الفلسطينيين من العريش في مصر إلى السعودية، لمعالجتهم في مستشفيات المملكة التخصصية. واستمرارا في بذل الخير قدم الأمير سلطان في الرابع من يناير مطلع العام 2009 مع انطلاق حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة دعما سخيا للحملة قوامه مبلغ عشرة ملايين ريال، دعما لأبنائه وأشقائه في فلسطينالمحتلة. وفي لفتة إنسانية منه تجاه ذوي الإعاقة، أعلن في ال22 من ذات الشهر في العاصمة السعودية عن موافقة الأمير سلطان أن تكون الخطوط الجوية السعودية ناقلا رسميا للمؤتمر الدولي الثالث للإعاقة والتأهيل الذي عقد بالرياض خلال الفترة من 22 إلى 26 مارس 2008. مؤسسة سلطان الخيرية تعتبر مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية من المؤسسات العالمية الرائدة في مجال العمل الإنساني، التي تقتصر أعمالها على تقديم خدماتها الإنسانية في التأهيل والرعاية الصحية للمرضى والمسنين والمعاقين، إذ إنها تهدف إلى تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة، والمسنين وإيجاد دور للنقاهة والتأهيل والتمريض؛ لتقديم خدمات طبية متخصصة ومتطورة، وتسهم بشكل فعال في توعية المعاقين والمسنين للاستخدام الأمثل لوسائل الرعاية المنزلية والاجتماعية، وكذلك التوعية بمظاهر الشيخوخة المبكرة، والعجز البدني والعقلي، والعمل على التقليل منها بالوسائل المتاحة. وقد أنشئت مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية، بموجب الأمر السامي الكريم رقم أ/77 وتاريخ 20 شعبان 1415ه الموافق 21 يناير 1995، وهي مؤسسة خيرية ذات شخصية اعتبارية، أسسها الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وتضمنت إستراتيجيتها في برنامجها للإسكان إنشاء وحدات سكنية في مختلف مناطق المملكة بتكلفة قدرت بأكثر من 400 مليون ريال، أنجز كثير منها في كل من عسير، وتبوك، ونجران، وحائل، ومكة المكرمة، والغاط، وتم تسليمها للمستحقين مؤثثة ومزودة بكل المرافق اللازمة، في إطار بنية عمرانية وحضارية، ترتقي بالمستوى المعيشي لساكنيها. ومن المشاريع الكبرى لمؤسسة مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية التي تعتبر أكبر مدينة تأهيلية من نوعها في العالم؛ لأنها تضم خدمات لا توجد في مكان واحد في العالم أجمع، مركزا متكاملا للفحوص الطبية والمخبرية والإشعاعية، إضافة إلى عشر غرف عمليات صغرى، ومركز للتأهيل الطبي، ومركز للتأهيل الطبي للمسنين، ومركز لتنمية الطفل يستوعب 150 طفلا في آن واحد من سن الولادة إلى سن السادسة. ومن إنجازاته الكبرى كذلك برنامج سلطان بن عبدالعزيز للاتصالات الطبية والتعليمية الذي يقوم بتقديم خدمات الاتصالات الطبية والتعليمة ونشر التعليم الصحي من خلال استعمال وتطبيق تقنيات متطورة لنقل البيانات الطبية وخدمات التعليم عن بعد. ومن الإنجازات المهمة للبرنامج نقل عملية جراحية لفصل توأم ماليزي عبر الإنترنت نقلا حيا على الهواء إلى جميع الأوساط الأكاديمية والعلمية في العالم. وهناك مشاريع مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية للإسكان، التي تم من خلالها تنفيذ مشاريع إسكان خيري في المنطقة الجنوبية وتبوك وحائل، ويتكون كل مشروع من 100 فيلا مستقلة مزودة بالخدمات اللازمة ومؤثثة تأثيثا كاملا. وكان للأمير سلطان باع طويل في دعم الدراسات الإسلامية في الغرب، ومن ذلك مركز الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بجامعة بولونيا بإيطاليا، الذي يعنى بدراسة العلوم الإسلامية خاصة الشريعة الإسلامية والتاريخ والفلسفة واللغة العربية واللغات الشرقية. ومن ذلك أيضا برنامج سلطان بن عبدالعزيز للدراسات العربية والإسلامية بجامعة بيركلي بكاليفورنيا بأمريكا الذي يضطلع بتعليم اللغة العربية والشريعة الإسلامية. خدمات إنسانية وعلمية وقد أكد الأمير فيصل بن سلطان بن عبدالعزيز الأمين العام لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية أن المؤسسة تخطو خطوات طموحة متوازنة ومتوازية في إطار رسالتها «مساعدة الناس ليساعدوا أنفسهم». وقال إن كل من ينتمي إلى مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية يسعى لمواكبة تطلعات وتوجيهات رئيسها الأعلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز. وفي إطار رؤية الرئيس الأعلى للمؤسسة لأهمية التعليم في بناء الإنسان، واصلت المؤسسة برنامجها للمنح البحثية الذي تعددت محاوره ليشمل عددا من الجامعات العربية والأجنبية، وكان البرنامج قد انطلق قبل نحو 15 عاما بالتعاون مع جامعة الخليج العربي وبلغ عدد المستفيدين من هذه الاتفاقية حتى نهاية العام الماضي 52 طالبا وطالبة في مجال التربية الخاصة والرعاية والتأهيل للمعوقين. كما تواصل البرنامج بالتعاون مع كلية دار الحكمة، والذي انطلق عام 2000 ومدته 15 عاما بمعدل 22 منحة سنوية مخصصة للطالبات السعوديات في تخصصات مختلفة. وبالتعاون مع جامعة الأمير سلطان الأهلية تواصلت للعام الثالث اتفاقية المنح الدراسية الأكاديمية وتشمل تقديم عشر منح كل عام لمدة عشرة أعوام في مجالات الحاسب الآلي والعلوم المالية. سلطان «الإنسان» ولعل من الصعوبة بمكان حصر كل الأعمال الخيرية التي كان للأمير سلطان حضور فيها، فبالرغم من مشاغله في مهماته إلا أن مكتبه ومسكنه في كل مدينة يحل بها يغص بالزوار إما بقصد السلام عليه أو عرض مطالبهم ومشكلاتهم الخاصة، أو لطلب مساعدتهم منه والتدخل الشخصي من قبل الأمير لإنهاء ضائقة أو معاناة عجزوا عن إيجاد حلول لها. وقد سجلت حالات كثيرة لأشخاص غير الأمير سلطان مجرى حياتهم ووضع نهاية لمآسي أسر فقدوا الأمل في إنهاء معاناتهم بسبب ضائقة مالية تواجههم أو عدم وجود مساكن لهم، أو عدم قدرتهم على معالجة مريضهم وغيرها من المطالب. ويسجل للأمير سلطان يوميا حرصه على توفير العلاج للمرضى أو إرسال طائرات الإخلاء الطبي لنقل المرضى أو المصابين إلى المستشفيات والمراكز الطبية المتقدمة داخل وخارج البلاد وتقديم مساعدات مالية للمحتاجين أو تحويل مطالب البعض إلى الجهات المختصة لتحقيقها حسب الأنظمة المتبعة. وللأمير سلطان حضور فاعل في إنقاذ أشخاص من حكم القصاص عندما يتنازل الورثة عن القصاص مقابل مبلغ مالي، حيث يقوم الأمير سلطان بسداد هذه المبالغ التي تصل إلى ملايين. ويعرف عن الأمير حرصه على قراءة الصحف يوميا وتكليف فريق من مكتبه للبحث عن المحتاجين للعلاج أو ممن مرت بهم ضائقة مالية أو الذين أطلقوا صوت استغاثة ممن حكم عليهم بالموت؛ لعدم قدرة ذويهم عن دفع ديات تصل إلى عشرات الملايين مقابل الإعفاء عنهم. ويروى عن الأمير سلطان أنه شاهد تقريرا إخباريا عن حال المجاعة في دولة إفريقيا قبل أعوام ورأى امرأة تحفر قرية نمل علها تجد ما تأكله! وأثر هذا المشهد تأثيرا بالغا على الأمير فأمر على الفور بتشكيل فريق لدراسة وضع المرأة ومعرفة ما يمكن فعله تجاهها ومن في حالتها، فكان ذلك الموقف هو ميلاد لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة، حيث أمر بتكوين هذه اللجنة لتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة لمتضرري المجاعة في النيجر، ثم توسعت نشاطاتها لتغطي عدة دول إفريقيا وتقدم المساعدات والبرامج الإنسانية. أكبر مدينة طبية توج الأمير سلطان أعماله الخيرية في تبني مشروع كبير وهو مشروع مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية التي أنشئت في 21 يناير من عام 1995 بهدف تقديم خدمات إنسانية واجتماعية وتربوية وثقافية داخل السعودية وحول العالم. وحرصا من الأمير على تطوير كل ما يتعلق بالتربية الخاصة، بما يعين على فهم أفضل لمشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة وأساليب تنشئتهم وتعليمهم، فقد أنشئ سنة 1996 برنامج أكاديمي متكامل للتربية الخاصة؛ ليكون من بين البرامج الأكاديمية لجامعة الخليج العربي بدولة البحرين في إطار اتفاقية التعاون بين المؤسسة وتلك الجامعة .