المنع هو الاستثناء، إن من «أغث» الأمور التي لاحظتها في المشهد الإعلامي عندنا أننا كثيرا ما نشكو من قبضة الرقابة على الإعلام، والقيود على الإعلام، والأغلال على الإعلام، وغيرها من مثالب الإعلام الموجه، هذا حسن، ولكن، المثير للاشمئزاز هو أننا مع كل هذه الشكاوى من نقص الحرية الإعلامية التي ندعيها، أو يدعيها بعضنا، نجد بكل فجاجة من يوجه سهام النقد للإعلام، مطالبا بفرض مزيد من القيود عليه بسبب رأي أو مشهد معين، وكأننا نعاني من حرية مطلقة ثم أردنا فجأة تنظيمها. فمع الجلبة التي تصحب مسلسل طاش ما طاش كل عام، والأسطوانة إياها، حول: الفرق بين نقد المبدأ، وبين نقد صاحب المبدأ، أو بين نقد المتدين وبين نقد الدين، وغيرها من الأسئلة التي تظل تطرح نفسها، حتى مع كثرة المجيبين، نجد أن هناك من يسعى من خلال هذه الزوبعة إلى نتيجة واحدة: هي وضع مزيد من القيود على الإعلام. فإذا تم انتقاد قاض مرتش في مسلسل مثلا، تتم عبر هذه الزوبعة مطالبة ضمنية بوضع قيد على الإعلام بأن جهاز القضاء يجب ألا يمس، حتى مع وجود الأخطاء، لارتباطه بالدين. ثم تنتقل العدوى إلى جهاز الهيئة، لذات السبب، ثم إلى وزارة الشؤون الإسلامية، ومن جهاز إلى جهاز، فنجد أنفسنا في النهاية قد «جلبنا» عددا من الوزارات والأجهزة التي يفترض أن تخضع لرقابة «السلطة الرابعة» بجلباب العصمة من النقد، وكسرنا كاهل الإعلام المثقل بالقيود بحزمة قيود ثقيلة جديدة، هذا بدلا من الانبراء للدفاع عن حرية الإعلام والنقد البناء بالكلمة والمشهد، ليقوم بوظيفته المهنية الطبيعية. بالفعل أرى شيئا من الازدواجية في الزعم بوجود «نقص» في حرية الإعلام بسبب أن أحدنا أراد كتابة مقال مكون من كلمات لا تحمل سلاحا، ثم يحجب أو لا ينشر، ثم في نفس الوقت نفس الكاتب يخط مقالا جديدا يشن فيه حربا على الإعلام ويطالب بتقييده، لأنه رأى فيه انتقادا لسلوكيات ذاته المصونة، طاش ما طاش مثلا.