أصبحت المشاريع الصغيرة التي لا يكلف إنشاؤها مبلغا ماديا يذكر الأمل الوحيد لكثير من العائلات ممن ضاقت بهم ظروف الحياة، أو الراغبين في زيادة دخلهم الشهري، خاصة في ظل ارتفاع الطلب على المادة، لتوفير مقاضي رمضان والعيد الذي يعقبه. وتصدر الطبخ المنزلي قائمة المشاريع التي تعتمد عليها كثير من النساء، للحصول على عائد مالي مجز، يرتفع ليتضاعف في الشهر الكريم، في ظل تنوع المأكولات، والحرص على الوجبات الشعبية، غير أن هذه المهنة باتت بشكل أو بآخر مصدر قلق للكثيرين الذين يرون أن الأكلات الشعبية التي تعد في المنازل مهددة بسوء الإعداد. واعتبروا الطبخ المنزلي مهنة من لا مهنة له من النساء، مؤكدين أنه لا يزال خارجا عن المراقبة ومرتعا خصبا لمن تسول لها نفسها التلاعب والمتاجرة بصحة العامة. ويعترف الكثيرون أن الطبخ المنزلي مهنة شريفة «لا يملك أحد إلا التصفيق لها وتشجيعها، إلا أن الأسئلة التي لم نجد لها جوابا تتعلق بمدى إمكانية مراقبة صلاحية وجودة الأطعمة ونظافتها دون إحباط هذه المشاريع الصغيرة أو إرغامها على الخروج من منازلها، ودفع أموال طائلة للعمل من مطاعم أو محال مرخصة». في البداية استفسرت «شمس» من البلدية حول مدى نظامية تلك المطاعم المنزلية، ومدى تدخل البلدية للحفاظ على الصحة العامة، فاعترفت بصعوبة التأكد من جودة الوجبات، وعدم امتلاكها الحق في دخول المنازل. وردا حول الاستفسار المتعلق بمراقبة الأنشطة المنزلية التي تسوق بيع الأطعمة والمأكولات، أوضحت البلدية على لسان المشرفة العامة على الوحدات النسائية بأمانة الرياض الدكتورة ليلى الهلالي أنه «نفيدكم بأن دور مراقبات الوحدة النسائية بأمانة المنطقة لا يعنى بالدخول لمنازل المواطنين، ولا نملك الحق في ذلك وعليه يصعب التأكد من جودة تلك المنتجات وصلاحية المواد المستخدمة في إعدادها». وكشفت في ردها أنه «تجري الوحدة النسائية في الوقت الراهن دراسة لمحاولة إيجاد الحلول التي تخدم المستهلك والأسر المنتجة ونأمل من الله أن يوفقنا فيها». وكان السؤال المتداول في هذه الأيام، يتعلق بإمكانية تدخل البلدية للمراقبة على تلك الوجبات حفاظا على الصحة العامة، إلا أن تلك المخاوف قللت منها القائمات على المشاريع الصغيرة في المنازل، حيث إن الإقبال على هذه المشاريع حسب رأي زبونة دائمة لهذه المطاعم المنزلية زهور محمد، يتخذ أحد سببين، الأول من جانب إنساني بحت وهو دعم الأسر الفقيرة «أفضل أن أشتري من طبخ سيدات في المنزل لأنهن في الغالب محتاجات للمساعدة، وهذه وسيلة العمل الوحيدة الموفرة لهن، والأمر لن يكلفني شيئا في النهاية سأشتري ما احتاج له سواء منهن أو من مطعم خارجي معتمد ومراقب من البلدية، والسبب الثاني الذي يدفعني للشراء من أكل المنازل هو أنني باعتباري موظفة أتناول الغداء لفترات طويلة من المطاعم، فأصبحت أشتاق لطبخ البيت وطعم البيت، كما أن المطاعم لا تقدم الأصناف المتعارف عليها في مجتمعنا بنفس النكهة المنزلية». ولكن ردا على ما إذا كانت لبنى تثق فيما يقدم لها، وليست هناك رقابة على تلك الوجبات، أوضحت «أعتقد أنهن أحرص منا على الجودة الصحية لأنهن بحاجة لزبائنهن». إلا أن تلك التطمينات لا تؤمن بها زبونة مطاعم شهيرة ريم عبدالله، حيث ترى أن الشراء من المطعم آمن، بحكم أن المطاعم مراقبة من قبل الجهات المختصة من بلديات وغيرها «أسعار طباخات المنازل مبالغ فيها، كما أنك لا تستلمين طلبك بالحال كما في المطاعم بل تقدمين الطلبية، وبعد يومين أو ثلاثة تتصل لتخبرك أن الطلبية جاهزة، وغالبا تزيد السعر المتفق عليه بسبب أعذار واهية، وأخيرا تطلب منك دفع أجرة مواصلات لتوصيل الطلبية». من جانب آخر تعترف أم سلطان التي تعمل في هذا المجال منذ عشرة أعوام، أن شهر رمضان يشكل لهن موسما خاصا، يزداد فيه الإقبال على وجبات المطاعم المنزلية بنسبة تزيد على 50 % عن الأيام الاعتيادية. وتشير إلى أنها وزميلاتها في نفس المهنة تعترضهن الكثير من العوائق التي ربما تجبر البعض على الخروج من السوق، ويتمثل ذلك في المنافسة غير الشريفة من بعض النساء، إلا أن ذلك حسب اعتقادها لا يجب أن يكون مسوغا لدخول أي جهة أخرى لمراقبة أو تحديد سقف الأسعار. وأوضحت أن دخولها هذه المهنة بدأتها بمفردها «وبما تعلمته من الحياة من منزل أهلي ومنزل زوجي بعد ذلك، وكنت أعمل عينات وأوزعها مجانا مع رقم هاتفي في دور التحفيظ أو في مكاتب التوجيه والمستشفيات، والآن ولله الحمد تعمل معي بناتي وعاملة وأحيانا، أستعين بأخريات يطلبن التدريب عندي في الإجازة الصيفية». وتفيد أم سلطان أنها لم تتلق أي تدريب في معهد أو ما شابه على ما تقوم به، وفي الوقت نفسه لم يطلب منها أي معهد أن تدرب الفتيات رغم أنها تجد شريحة كبيرة ممن لم يدخلن الجامعات يملن إلى هذا العمل كونه حرا وغير مقيد بمواعيد دوام. وتشير إلى أن «صعوبة العمل الوحيدة هي أن الناس تريد أن تثبت الأسعار التي بدأت بها منذ عشرة أعوام، ويعترضون على ارتفاع الأسعار بينما أسعار المواد الغذائية في تصاعد مستمر». وتعليقا على مستوى النظافة المأمول والرغبة في الرقابة الصحية، ترى أم سلطان أن مسألة الرقابة شكلية، لأن رأس مال المطاعم المنزلية سمعتها، لذا فأي تلاعب في هذا الأمر، ينسف تلك السمعة، لذا فلا داعي للتخوف. وعن دور جهات خيرية تتيح للنساء الراغبات في هذه المهنة العمل وفق رقابة وتدريب، ترى مسؤولة التدريب والتوظيف في جمعية النهضة النسائية مي القاسم أن الجمعية أقامت دورة واحدة فقط قبل أكثر من عامين غير أن الإقبال عليها كان ضعيفا جدا «لأن أغلبية من يفكر في التدريب يفكر في مسألة تدريب منتهية بالتوظيف، بينما من تخرجن من دورة الطبخ وصناعة الحلويات لم نجد لهن مكانا نوظفهن فيه، رغم أنه في بداية الفكرة كان التشجيع قائما على أساس افتتاح مصانع حلويات نسائية من قبل بعض سيدات الأعمال غير أن الفكرة تعثرت» .