كانت واحدة، يشار إليها بالكفاءة والمهارة، وسرعان ما تطور الحال، وأصبح اسمها إحدى السيدات اللاتي يعملن في مثل هذا المجال. فلم تكن أم طلال السيدة التي تجاوز عمرها 50 عاما، الوحيدة التي تزاول مهنة الطهي في المنازل، وتسوقه على من يريد الوجبات المنزلية بنكهة بنت البلد. وسرعان ما اقتحمت المجال بعض العاطلات، ممن لا تتجاوز أعمارهن الثلاثين، وممن يحملن شهادات البكالوريوس أحيانا، والدبلومات أحيانا أخرى، فلقمة العيش أغلى من أي شهادة. لكن الأسماء المستعارة ظلت الديدن الذي تحتفظ به الفتيات اللاتي يخضن هذا المجال: «مرة لتأمين أنفسهن من ضعاف النفوس، حيث إنهن يتعاملن في سوق لا تفرق بين العزاب والعوائل، فمن يطلب الوجبات تعد له، وإفشاء الأسماء لجمهور العملاء خطوة يجب ألا تتم». لكن اللافت للنظر أن الظاهرة التي توارثتها بعض السيدات الأرامل أو كبار السن، باتت في مهب الريح، لأن الطاهيات الجدد بتن يخشين مرة من التعامل اللاأخلاقي، ومرات من عدم الأمان الوظيفي، وترتقي أعينهن على التراخيص المناسبة التي تؤمن لهن العمل وهن مرتاحات البال والخاطر. إلا أن العوائق العديدة تحول دون تحقيق الحلم، والإبقاء عليه مجرد أمل يستحيل تحقيقه، خاصة في ظل تأكيدات مسؤولي أمانة الرياض بعدم نيتهم ضم هذه المطابخ المنزلية تحت مظلتهم لوجود العديد من العوائق. أم طلال التي احتفظت باسمها الحقيقي، فيما ألمحت إلى أنها في العقد الخامس من عمرها، اعترفت بأن موسم رمضان يعد من الأشهر التي تدر أرباحا مجزية على العاملات في مجال الطهي في المنازل، بما يصل إلى الضعف: «خلال الأشهر العادية، نحصل على أرباح تفوق6000 ريال، وخلال رمضان تتجاوز 12 ألف ريال، والسبب الإقبال من العوائل والعزاب على طلبات الإفطار والعشاء والسحور، لكن يجب ألا ينظر لأرباحنا بصفة دائمة، لأنها للأسف تتقلص بارتفاع أسعار الخضراوات واللحوم، بشكل خاص، والمواد الغذائية بشكل عام». وأوضحت أنها تحتفظ بزبائن يتعاملون معها منذ أربعة أعوام: «نعمل على حسابهم منذ فترات زمنية متباعدة تصل إلى ثلاثة أشهر، عطفا على أمانتهم وصدقهم في التعامل، إلى الدرجة التي أصبحت لدينا صداقات وعلاقات اجتماعية وطيدة بسبب هذا المشروع المنزلي». وذكرت أم طلال، التي ذاع صيتها في شرق الرياض، لما تميز به وجباتها المنزلية، أن المهنة ليست وليدة اليوم، بل يعود تاريخها لعدة عقود: «كانت النساء اللاتي يمتهن هذه المهنة، يعرفن باسم الطباخات، ويحرصن على إعداد الولائم والوجبات الغذائية للأسر ذات المكانة الاجتماعية المرموقة بمقابل فوري، أو شهري، لكن مع انتشار المطاعم المتخصصة تقلصت الظاهرة، وكادت تختفي، لكنها سرعان ما عادت مجددا من بوابة البازارات النسائية». ابنتي تساعدني وتشير إلى أنها حاليا تؤمن وجبات تجمعات أدبية وثقافية نسائية تعقد على مدار السنة: «هذه التجمعات جلبت لي العديد من الزبائن، خلال تذوقهم لهذه الوجبات، وأصبحن يشكلن لي رافدا ماليا مهما، حتى أن الإقبال المتزايد اضطرني للاستعانة بعاملات مساعدات، يسهمن في تنظيف المأكولات قبل الطهي، ومساعدتي في تقطيع اللحوم والخضار، وبصراحة أمنعهن من الطهي، الذي كنت أباشره بنفسي فقط، وسرعان ما دخلت معي ابنتي التي أصبحت خير سند لي، في ظل إيمانها بأهمية العمل في هذا المجال، ويبدو أنها ورثت المهنة، وفضلت الاستعانة بها، بدلا من الخروج بحثا عن وظيفة هنا وهناك، لكنها مثل مثيلاتها من الفتيات يختلف طموحهن، إذ ترى أهمية توفير الجو المناسب للمهنة، من خلال الجهات المختصة، وتبحث عن الدعم، والذي لا أظنه قريبا». بنت البلد ولا يزيد عمر من ترمز لاسمها بأم عبدالله، على ثلاثة عقود، وتزاول مهنتها منذ فترة، بل تعمل على توصيل طلباتها لزبائنها في جميع أحياء الرياض، من خلال وسيط يحصل على مقابل مالي. وتعمل في المجال مختلف أشكاله، مسايرة لرغبات الزبائن: «خلال شهر رمضان أعمل على بيع الأطعمة المفرزنة، والتي أعد مقاديرها دون طهيها وذلك نتيجة الإقبال المتزايد عليها، منذ منتصف شعبان نعمل على تجميد السمبوسة بعد حشيها باللحوم أوالأجبان والخضراوات، وبيعها، إضافة إلى المعجنات بمختلف أنواعها أو الأكلات الشعبية بعد إعداد مقاديرها». فارق الأسعار ولا ترى أم عبدالله أي مقارنة بين وجباتها وما تقدمه المطاعم، الأمر الذي يبرر الفارق بين أسعارها المرتفعة وأسعارهم: «وذلك نظير حرصي على استيفاء مكونات ذات جودة عالية، واستخدام خضراوات طازجة ولحوم حمراء وبيضاء طازجة». وترى المتميزة التي تتستر خلف هذا اللقب والتي ذكرت أنها كانت تتعامل باسم «أم سعد» إلا أن زبائنها أطلقوا عليها هذا اللقب نظير تميزها في الإعداد والطبخ والمواعيد أنهن يتجهن إلى الإعلان عبر المواقع الإلكترونية المهتمة بشؤون النساء وذلك لسهولتها وانتشارها بين أوساطهن. وأوضحت المتميزة أن الإقبال على الطباخات المنزليات بدأ يتزايد خلال الأعوام الماضية نتيجة تقديمهن مأكولات ذات مذاق جيد وحرصهن على إعداد الموائد بمكونات طازجة، مشيرة إلى أنها تعمل على توصيل الطلبات إلى المنازل بعد استيفاء سعر المشوار، مضيفة أن الإقبال غالبا يتم من مختلف الطبقات في السعودية: «نعد الأطعمة إلى مسؤولين ورجال أعمال، إضافة إلى الطبقات الأخرى ونتعامل مع النساء بشكل كبير». وذكرت المتميزة أنها ترفض التعامل مع العزاب نتيجة عدم انضباطياتهم في الطلبات، إضافة إلى طلباتهم البسيطة. وذكرت المتميزة أن الطبخات في المنازل أسهمن في إرجاع العديد من الأكلات الشعبية إلى السفر مثل الجريش والهريس وتقديم وجباتهن عبر وصفات خاصة لكل منهن: «نجمع البهارات والوصفات المتنوعة بعد أن نجهزها وننظفها ونجففها ثم نطحنها حسب خلطات متنوعة لمختلف الأكلات». وأكدت المتميزة أن ثمة إقبالا ملحوظا في الأعوام الأخيرة من قبل الخليجيين المقيمين في السعودية على الحصول على أطعمتهم وموائدهم من المنازل السعودية من خلال الطبخات المنزليات: «العوائل الخليجية في السعودية تحرص على الحصول على العديد من وجباتهم اليومية وخاصة الأكلات السعودية الشعبية بشكل ملحوظ، وعملت على تأمين العديد منهم بهذه الموائد». وتحت شعار الصدق والأمانة والجيد والمميز للزبائن، تعمل أم عبدالله الخضيري، بعدما واجهت قسوة في الظروف المعيشية، وقلة في المجالات التي تعمل فيها المرأة: «أعول أسرتي، وأدفع إيجار منزلي، وليس لدينا دخل كاف، وهذه المهنة التي تضمن الرزق الحلال أسهمت في مساعدتي، وتسيير أمور منزلي، وأحمد الله تعالى على أننا نحصل على أرباح جيدة تسهم في الاكتفاء الذاتي لحاجاتنا، بما يصل أحيانا إلى ستة آلاف ريال شهريا». تنافس الأسعار لكن الشيء الوحيد الذي يحول دون السعادة في المهنة، كما ترى أم عبدالله، يتمثل في تنافس زميلات المهنة، واللاتي أصبحن كثيرات: «يمتعضن من انخفاض أسعاري، وتردني اتصالات من الطباخات الأخريات يثرن لأنني خطفت الزبائن بتخفيض الأسعار، لكنني أقول لهن دائما إن من يسهم في رفع القوة التشغيلية لدى الطاهية الصدق والأمانة والجيد والمميز». نثق بالطاهيات ويرى المعلم خالد الحزيمي، 29 عاما، نجاح تجربة الطاهيات من المنازل: «فالصورة الذهنية للمستهلك تجاه هذه المطاعم المنزلية، أسهمت في التوجه إليها والإقبال عليها لإعداد الولائم الكبيرة، والتي غالبا تحول الظروف العائلية دون إكمالها من قبل ربات البيوت». ويشير إلى أن هذه المشاريع أسهمت في خدمة العوائل السعودية: «رغم أن الأسعار تعتبر مرتفعة قليلا عن أسعار المطاعم، ولكن في ظل تقديمهم الأكلات الطازجة يتم التغاضي كثيرا عن مسألة السعر، لأن الأغلى يعد الأنسب: «بحكم أننا نعول أسرا، نعرف مدى ارتفاع الأسعار في كثير من السلع، ونقدر هامش الربح للطاهيات، لذا لا نفاصل في الأسعار، التي في الغالب نراها منطقية». حلوا مشكلاتهن وطالبت المشرفة على قسم الإعلام النسائي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نورة الشبل، البلديات ممثلة في الأمانة، بوضع حلول لهؤلاء الطاهيات: «لأنه يجب ألا نحارب مشاريع تقوم عليها أسر كاملة، ويجب منحهن تصاريح تتيح للجهات الرقابية متابعة أعمالهن اليومية، مثلهن كالمطاعم، من خلال إلزامهن باستئجار محال تجارية مثل المشاغل أو منحهن منشأة من البلدية مقابل رسوم رمزية، تسهم في جمع جميع العاملات تحت سقف واحد لمتابعة أعمالهن، وتشجع قيام المشاريع التجارية الصغيرة للمساهمة في القضاء على البطالة، ومثل هذه المشاريع علينا أن ندعمها، ونقف بجانبها». ادعموا الطباخات وتقف المستشارة الاجتماعية أسماء العبودي، مع الفكرة والتنفيذ لأن: «أي عمل شريف تزاوله المرأة يعتبر إنجازا ذاتيا، يحقق لها الكفاية ويحترم إنسانيتها، وخاصة العمل المهني الشريف المقبول من المجتمع، وعمل المرأة في هذه المهن يعد أحد أوجه رفع المستوى المادي للأسرة، وبلا شك يشكل قيما مثلى بدلا من أن تصبح السيدات عالة اجتماعية، وتكن عبئا على الآخرين في تحصيل دخل مادي يكفي حاجة الأسرة». وتدعو للنظر بعمق لامتهان المرأة الطبخ المنزلي والتسويق لمن يطلبون هذه النوعية من الخدمة: «فالعمل سهل جدا، قياسا بالمهن الأخرى، ولا يحتاج إلى رأسمال كبير، وفي متناول اليد، ويكفي لمن تريد مزاولته أن يسبق لها العمل المنزلي، كما أنه يعد سدا لحاجة متلقي هذه الخدمة، بدلا من الاعتماد على المطاعم، التي ربما لا تثق بها ربات البيوت من حيث النظافة والأمانة في العمل، وأعتقد أنه يجب أن نوجد لهذه الفئة من النساء الدعم اللازم، والمساندة المستمرة، وتبني مشاريعهن، واستثمارها من قبل هيئات متخصصة أو جمعيات ناشطة، وجعلهن يحصلن على التيسيرات التي يحتجن إليها، وهذا سيرفع من قيمة الذات لدى المرأة العاملة، وسيحقق لها نظرة جيدة لنفسها، ويجعلها تؤمن بإمكانياتها أكثر، وسيقضي على مشكلاتها النفسية والاقتصادية، وربما نجاحها في هذا الأمر سيدفعها إلى مزيد من النجاحات في المستقبل، وسيجعلها تفكر في ابتكارات جديدة تضمن لها الاستمرارية والنجاح». محاربتها أفضل ويعتقد عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الدكتور زين العابدين بري، أنه من الضروري محاربة مثل هذه المشاريع، التي لا تخضع لتصاريح نظامية: «ويجب إخضاعها للشروط والأنظمة الصحية والبلدية لضمان عدم التجاوزات». واعتبر أن العشوائية إذا ما استمرت في هذا المجال سيحدث ما لا تحمد عقباه: «مجلس الشورى لم يتلق مثل هذه المشاريع غير المرخصة، رغم أنها باتت تشكل ظاهرة في المجتمع في الوقت الحاضر».