في زمن مبهرج كالزمن الذي نعيشه الآن، تغيرت حتى ملامح العزاء فيه وكأن الموت لم يعد يفجعنا، فباتت مراسم العزاء هذه الأيام تشابه حفلات الاستقبال من تقديم فاخر للضيافة المتنوعة وإقامة مآدب طويلة وتقديم للبخور الذي يستقبل به المعزون ويودعون به! حتى وجوه المعزين والمعزيات وهيئاتهم لم تَعد كما كانت، فأصبح العزاء نوعا من أنواع الحفلات يشابهها بعباءات المعزيات المبتذلة ومجوهراتهن الثمينة وشعورهن المسرحة وزينتهن التي يحاولن جاهدات أن تكون محكمة بحيث تندرج تحت تصنيف «زينة العزاء»! ليس من المستغرب أن يصل الحال بعالم يزداد مادية إلى هذا الحد ولكن المستغرب أننا بتنا نتصرف وكأننا لم نعد نخشى الموت، وكأن الهيبة التي من المفترض أن يشعرنا الموت بها والتذكير الذي من المفترض أن نتدبر فيه بعد كل حالة فقد لم تعد تحرك شيئا فينا ولم تعد تؤثر فينا. لا أدري لماذا لم يعد الناس يفكرون في الميت، لماذا يتصرفون في مراسم العزاء بلسان حال يقول «الحي أبقى من الميت» وكأننا لن نسلك يوما ذات الطريق! فقد مجتمعنا للأسف أخيرا القدرة على التمسك بآداب العزاء التي أمرنا بها الدين الحنيف والتي هي أساس تقديم العزاء لذوي المتوفى، حيث إن في العزاء مواساة ومعاونة لأهل الميت وموعظة وتذكرة للمعزين، لكنه بات شكلا من أشكال النفاق والابتذال وانعدام المشاعر للآسف! لو فكرت كل عائلة متوفى في إقامة «وقف شرعي» صدقة جارية عن المتوفى بالمبلغ الذي أقامت له فيه «حفل عزاء» بعد رحيله لبات خيرا له ولهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» من الواجب علينا أن نعين موتانا إن أردنا أن يعيننا أحد بعد موتنا، وكفى بالموت واعظا!