بعد سلسلة من المعارك القانونية التي كانت تعرف باسم «قضية تحقيق مكاسب غير مشروعة» في العاصمة الفرنسية باريس، أمرت محكمة الاستئناف العليا أخيرا بفتح تحقيق مع ثلاثة رؤساء أفارقة وعائلاتهم حول ما إذا كانوا اختلسوا أموال دولهم لشراء عقارات وأصول واسعة في فرنسا تشمل حسابات مصرفية، وفللا راقية بمنطقة الريفيرا السياحية، وأساطيل من السيارات الفاخرة واليخوت. وفي المقابل نفى الزعماء وأسرهم تكوين أي ثروة خارج بلادهم عبر غسل الأموال العامة وإساءة استخدامها. وتهدد هذه القضية بكشف سر الصفقات وتغاضي فرنسا عن فساد رؤساء من أصحاب العلاقة الخاصة في مستعمراتها الإفريقية السابقة. ما زال أحد قضاة التحقيق بمحكمة الاستئناف العليا بباريس يبحث في أصول الرؤساء الثلاثة ودور البنوك الفرنسية في الحصول عليها. والزعماء هم رئيس الكونجو برازافيل دينيس نغيسو، ورئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج، ورئيس الجابون الراحل عمر بونجو، الذي أدت وفاته إلى تأجيل التحقيقات مرات عديدة. وبادرت منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، التي تعمل بصورة مستقلة في مواجهة جرائم الاحتيال المالي، إلى تقديم دعوى تتهم فيها القادة الثلاثة بغسل ثروات بلادهم وقالت إنهم يملكون وأسرهم أصولا قيمتها 160 مليون يورو «نحو 220 مليون دولار» في فرنسا. وكشفت المنظمة هذه الأملاك في 34 محضرا جرى إعدادها بين يونيو ونوفمبر الماضيين، بناء على شكوى قدمتها ثلاث جمعيات فرنسية ضد الرؤساء. وتناولت معظم صحف القارة الأوروبية هذه القضية حيث أفردت صحيفة «الجارديان» البريطانية مساحات واسعة لسبر أغوارها في أكثر من عدد. وقال تقرير للشرطة الفرنسية في عام 2007 إن عائلة بونجو تملك 39 عقارا في البلاد، ومعظمها بالدائرة 16 باهظة الثمن في باريس وعلى الريفيرا. وللأسرة حسابات في 70 مصرفا، 11 منها باسم الرئيس بونجو. كما أن لديهم سيارات فارهة لا يقل عددها عن تسع، وتبلغ قيمتها الإجمالية 1.5 مليون يورو. وتوفي بونجو العام الماضي، بعد أن حقق أطول فترة حكم لرئيس دولة في العالم، وخلفه ابنه علي. وكان لعائلة ساسو نغيسو، والد زوجة بونجو، 112 حسابا في المصارف الفرنسية، و18 عقارا وسيارة واحدة تفوق قيمتها 170 ألف يورو. أما عائلة أوبيانج فإنها تملك ثماني سيارات فاخرة بقيمة 4.2 مليون يورو، بينما يملك نجله، وهو وزير في الحكومة، شقة في منطقة غالية من العاصمة الفرنسية. وقالت منظمة الشفافية الدولية إن القيمة الفعلية للأصول تفوق عدة مرات الدخل الرسمي للزعماء الأفارقة وعائلاتهم. وخاضت المنظمات غير الحكومية معركة قضائية طويلة داخل المحاكم لفتح تحقيق قضائي.. في الوقت الذي ظل فيه الادعاء العام الفرنسي يعارض إجراء أي تحقيق. ولذلك فإن قرار محكمة الاستئناف بفتح تحقيقات حول فساد بعض رؤساء الدول يعتبر سابقة لم تحدث من قبل. «إنها خطوة كبيرة إلى الأمام في تاريخ القضاء الفرنسي الذي فتح الطريق لغيرها من الاستفسارات الحساسة سياسيا واقتصاديا»، حسب إشادة من مسؤول بالمنظمة. وأخيرا، فإنه ليس أمرا جديدا أن يستثمر بعض قادة إفريقيا في فرنسا أو يقضوا عطلاتهم وتستفيد عائلاتهم من تسهيلات مالية في سرية كبيرة، وليس جديدا أن يثير ذلك مناضلون يدافعون عن قارة سكانها هم الأفقر في العالم، لكن الجديد في الأمر هو أن تتناوله هيئات رسمية كما جاء في مقال لصحيفة لوموند الفرنسية بعد أن طالع محرروها مئات الصفحات من المحاضر التي ترسم صورة «باريس الإفريقية» حيث الاستثمار العقاري الذي يتركز في الأحياء الأكثر فخامة .