وجد كثير من الشباب الراغبين في العمل ضالتهم بعد أن فقدوا أمل توظيفهم من خلال اعتمادهم على الشهادات الجامعية أو المؤهلات الأخرى، ما جعلهم يستعينون بكتابة السيرة الذاتية التي باتت محط اهتمام جل الشركات الخاصة، إضافة إلى الجهات الحكومية عند عملية قبول الموظف. وانتهج العديد من الشباب المتقدمين للعمل استخدام أساليب متعددة في كتابة السيرة الذاتية واختيار مهارات وخبرات وهمية لا يتمتع بها المتقدم للعمل، أو لا تمت إلى طبيعة العمل بصلة. أحد خريجي قسم الهندسة المعمارية اضطرته الظروف إلى الاستعانة بالسيرة الذاتية التابعة لأحد إخوانه ليملأ المساحات الفارغة بمعلوماته الخاصة، لأنه وجد فيها كثيرا من الاحترافية التي تحتاج إليها كثير من الشركات، وقال ماجد باوزير، 24 عاما، «استعنت بالسيرة الذاتية التي كتبها أخي الأكبر، ولم أقم فيها بأي تغيير سوى مسح معلومات أخي ووضع معلوماتي»، مبررا ذلك بأن «مستوى الاحترافية التي تتطلبها الشركة التي قدمت إليها جعلني أستعين بسيرة تحمل كما كبيرا من الاحترافية». ولم يمتنع ماجد عن كتابة بعض الدورات التي حصل عليها، كما أنه لم يجد حرجا من كتابة الأعمال التي شغلها في حياته قبل طلب تقديمه للعمل في هذه الشركة المتخصصة في الأعمال الهندسية «بعض الدورات التي حصلت عليها خارج نطاق تخصصي دونتها في سيرتي الذاتية، إضافة إلى بعض الأعمال التي كنت أعمل فيها لم أجد حرجا من كتابتها ضمن سيرتي الذاتية»، واعتبر أن هذه الأعمال أو الدورات التدريبية الأخرى تعطي إشارة غير مباشرة إلى صاحب العمل أن المتقدم لديه رغبة في العمل بأي شكل كان «في أغلب المقابلات الشخصية التي أجريها في بعض الشركات عند التقديم أحرص على ذكر هذه الأمور حتى يعلم صاحب العمل أنني على قدر من المسؤولية والرغبة في العمل». نصف الأهمية من جهتها، ترى إحدى الفتيات أن السيرة الذاتية تعطي انطباعا عن المتقدم بنسبة 50 % بالنسبة لصاحب العمل، وتقول مسك الأهدل «اهتمامي الشديد بكتابة السيرة الذاتية جعلني أحضر إحدى الدورات التي تساعد في كتابة السيرة الذاتية بشكل صحيح، وقد تفرغت لكتابة السيرة الذاتية أكثر من مرة»، وتضيف «أرى أن هذه الورقة التي تحمل سيرتي الذاتية لها نصف الأهمية أو أكثر عند أرباب العمل واعتمادهم قبولي للوظيفة أو عدمها». ولا تنكر مسك دور الشهادات العلمية والخبرات العملية في القبول الوظيفي، فهي تلعب دورا مهما في جعل أصحاب الأعمال ينجذبون للشخص المطلوب. ورأت الأهدل ضرورة حصول المتقدم على العديد من الدورات التدريبية التي تؤهله للحصول على الوظيفة المطلوبة «يجب الحصول على مؤهلات ودورات لإدراجها في السيرة الذاتية»، مؤكدة أن المصداقية في تدوين كل ما هو صحيح هي سر النجاح والانجذاب من قبل أصحاب العمل. واعتبرت أن المهارات التي تتقنها من الضروري بمكان ذكرها في السيرة الذاتية ولا تلتفت إلى ما تريده الشركة، وتبرر ذلك بقولها «حتى أستطيع أن أقدم عملا أنا بارعة فيه ومتمكنة منه، ولا يهمني ماذا تريد الشركة مني». سيرة وهمية شاب آخر حالت بينه وبين العمل ظروف متعددة، وموانع جعلت منه شابا عاطلا لا تسمح له الظروف التي يعانيها من القبول في أي وظيفة حتى لو كانت شاغرة، ولم يستسلم هذا الشاب للبطالة، حتى وجد أحد أصدقائه يكتب ورقة معنونة بعبارة «سيرة ذاتية» فبادره بسؤاله عن ماهية هذه الورقة فأخبره بأهميتها في التوظيف، ما جعل هذا الشاب يبادر إلى أحد الأشخاص الخبراء في كتابة السيرة الذاتية بطريقة محترفة. وأكد الشاب «أحمد م.م» أن اهتمام الشركات بالسيرة الذاتية جعله يقدم على هذه الخطوة «وجدت اهتماما بالغا من بعض الشركات بهذه الورقة أكثر من اهتمامها بقدرة الشاب على إنجاز العمل، وهذا الأمر جعلني أتجه لكتابة سيرة ذاتية وهمية لا تعبر عن شخصيتي، ولا أستطيع القول إن هذا الفعل جعلني ألتحق بإحدى الوظائف، غير أنني على ثقة كاملة بأني يوما ما سألتحق بإحدى الوظائف، لأن البعض لا يلتفت إلى الشهادات أكثر من التفاته إلى ما كتب داخل السيرة الذاتية». محاولة فاشلة وفي محاولة فاشلة للتحايل على إحدى الوظائف، كشف الشاب فارس السلمي عن محاولة صديق له التحايل على صاحب العمل أثناء تقدمه لطلب العمل «أعرف أحد زملائي ممن قدم في أحد المستشفيات ووضع من ضمن المهارات عنده إجادة اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثا، وقد كتب هذه المهارة الوهمية كونه لم يجد تفاعلا من قبل مستشفيات خاصة بعد أن قدم لهم السيرة الذاتية دون اللغة الإنجليزية»، وأضاف «ولكن ما حدث مع زميلي أن إدارة التوظيف بالمستشفى اتصلت به وطلبت حضوره للمقابلة الشخصية، وقد تم اختباره في اللغة الإنجليزية ولكنه لم يتجاوز المقابلة، وباءت مهمته بالفشل الذريع». وأوضح فارس أنه لا يزال من الباحثين عن فرصة عمل وقد أتعب قدميه وأرهق نفسه بحثا عن عمل إلى جانب دراسته «برأيي أن بعض الباحثين عن العمل يضطرون إلى أن يفبركوا مهارات وهمية طلبا للعمل، وفي الوقت نفسه هناك من يؤلفون المهارات والدورات الوهمية ومن حسن حظهم يجدون بها وظائف كون القطاعات الخاصة تكون لديها مصداقية في التوظيف». وعن تجربته يوضح السلمي «كنت من ضمن الموجودين في ملتقى العمل الأخير وقدمت من ضمن سيرتي الذاتية بعض المهارات والدورات والخبرات وكانت صحيحة، وللأسف حتى هذه اللحظة لم يتم الاتصال بي كما وعدونا». تسجيل طموح نظرة إيجابية حملها مشرف التدريب بمدارس دار الذكر الأهلية الدكتور سالم باشميل فيما يتعلق بالسيرة الذاتية الوهمية، موضحا أنها «سيرة ذاتية تسجل طموح الشخص في عدد من الجوانب، وتستخدم بكثرة في مجال التخطيط الشخصي المتوسط والبعيد المدى، وقد يكون الشخص يطمح لتحقيق إنجاز معين خلال فترة زمنية محددة سواء على مستوى الشهادات أو المهارات التي يتوقع ويخطط ليكون عليها بعد زمن معين». وأكد الدكتور باشميل أن هذه الطريقة تحقق فائدتين بحيث يمكن تقديم السيرة الذاتية مع الإشارة إلى أنها افتراضية لعدد من مديري الموارد البشرية لتعرف كم متوسط راتب هذا الشخص؟ وما الجوانب التي تضاف أو يزاد مقدارها، وما الجوانب التي يمكن الاستغناء عنها، وقد تكون بمثابة خطة شخصية مكتوبة مزمنة متعددة الجوانب. وشدد على أن هذه الطريقة إذا استخدمت لهدف الخداع وتضليل الجهة المتقدم لها لعمل أو تعاون ما، فهذا بلا شك أمر مرفوض، وسيظهر هذا الأمر ولو بعد حين. متطلبات جهة العمل وحول طريقة كتابة السيرة الذاتية أوضح باشميل «يجب النظر للسيرة الذاتية على أنها وسيلة لتسويق الشخص نفسه، فيتحدد محتواها بناء على متطلبات الجهة التي ستستقبل السيرة الذاتية، فلو كان المتقدم يطلب أن يكون مذيعا فيجب إرفاق تسجيل صوتي، وهناك جهات تشترط طولا أو عمرا أو كفاءة معينة فيختلف محتواها من وقت لآخر»، مضيفا «ومن المواقف التي مرت علي حين كنت عضوا في لجنة التوظيف في إحدى الشركات أن تكون السيرة مليئة بشهادات الإجازات العلمية والإسناد وهو فضل ومرتبة علية ولكن ذكرها بداية على الأقل غير مناسب حين التقدم لوظيفة مدرس رياضيات مثلا». وأكد على ضرورة تجهيز الشخص للسيرة الذاتية بناء على استكشافه للمنشأة، كما يجب إشعارها أنها تحتاج إلى خدماته، وليس العبرة بطول السيرة بقدر تحقيقها لمتطلبات الجهة. مكونات أساسية كما حدد الدكتور باشميل مكونات أساسية لبناء السيرة الذاتية «من المكونات الرئيسية لأي سيرة النواحي العلمية التي توضح الشهادات التي تحملها والجهات التي منحتها، والنواحي المهارية التي يتقنها الشخص ودرجة الإتقان، وجيد لو كان ضمن معيار دولي كالرخصة الدولية ومستويات اللغة المعتمدة، ويشار في ختام السيرة لعدد من المزكين في مجال العمل المطلوب وليست التزكية شخصية، كحال الزواج مثلا، فالسؤال سيكون عنك كموظف». حشو دورات من جانبها، كشفت مستشارة تدريب وتطوير ومديرة سابقة لإحدى الشركات بثينة باعباد عن مهارات وهمية مسجلة في العديد من السير الذاتية وأطلقت عليها اسم «حشو»: «كثير من المهارات التي تحرص الفتيات على تدوينها داخل السيرة الذاتية تكون حشوا»، معتبرة أن هذه الدورات التي تتلقاها الفتيات ليست ضرورية للتوظيف، غير أنها متطلب لتعبئة الورقة فقط، فأغلب أصحاب الوظائف اليوم لا يسمحون بالتوظيف إلا بوجود عدد من الدورات التدريبية، فتحرص الفتيات على حشو السيرة الذاتية بهذه الدورات لتجد لها مكانا مناسبا. وأكدت بثينة أن كثيرا من الموظفات أثناء التطبيق العملي تكتشف أنها خالية من أي من المهارات التي دونتها في سيرتها الذاتية. وأوضحت باعباد أنها تعتمد طريقة عند التوظيف «أحب التدرج الوظيفي، بداية من وظيفة الاستقبال وتتنقل من وظيفة لأخرى حتى تصل إلى المكان المناسب لها، وعلى حسب التقييم العملي للموظف يوضع في المكان المناسب له»، مؤكدة أن المقابلة الشخصية بعد قراءة السيرة الذاتية تكشف حقيقة الموظف الذي أمامك إضافة إلى التقييم العملي أثناء العمل