التعبير عن التراجيديا التي تتعلق بالطفولة من أصعب الموضوعات التي يمكن أن يتماس معها فنان، فليس سهلا أن يعبر أحدهم عن مأساة طفل في وقت يفترض أن يعبر عن البراءة والفطرة، ولكن الفنان الإيطالي جيوفاني براجولين أبدع لوحة تراجيدية زاحمت الموناليزا في شهرتها وابتسامتها العميقة التي خلدت مع الزمن وذلك برسمه لطفل باك، كان مشهد الدمع وهو ينزل على خده تعبيرا حاسما عن الطفولة المعذبة والبراءة التي اخترقتها التعاسة. الأبعاد الجمالية في اللوحة ليست في الألوان أو المحاكاة لطفل واقعي، وإنما في تلك الدموع التي تعكس نوعا دفينا من الحزن والأسى لطفل ينبغي أن يتمتع ببراءته وطفولته، وذلك ما جعل موضوعها متماسا مع كل شخص في العالم، ومن هنا اكتسبت قيمتها وشهرتها، وأصبحت لوحة عالمية بامتياز. ظلت لوحة الفنان الإيطالي على علاقتها الوجدانية مع كثير من الناس حول العالم إلى أن انفك الارتباط في عام 1985 حينما ربطت صحيفة «الصن» البريطانية اللوحة المعلقة في بيوت إنجلترا بسلسلة حرائق في منازل علقت فيها اللوحة، وهنا وكأن الصحيفة أشعلت فيها نارا، وأخذ الناس يتداولون الربط ويضخمون علاقته بالنيران، خاصة أن تلك النيران كانت تلتهم كل ما تطوله في المنازل باستثناء تلك اللوحة، فما كان من الناس إلا وعدوها نذير شؤم وأحرقوها ليتخلصوا منها. ذلك لا يعلق قيمة سلبية على جمالية اللوحة، لأن بيوت الناس في غير إنجلترا لم تحترق لمجرد تعليق اللوحة، وإنما ظلت أسيرة في القلوب وارتبطت وجدانيا بالناس، حيث إن القيمة الفنية للوحة لا ترتبط بالتفكير السلبي والربط غير المنطقي بمأساة الطفل بما يحدث لهم من مآس، فالطفل يبكي ويظل على هذا الحال طالما كانت هناك مأساة تلحق بالطفولة، فالموضوع الفني ليس بالضرورة أن ينتج من معطيات واقعية وحقيقية، ولم يعرف ما إذا تعمد براجولين رسم طفل يعرفه أم لا، وإنما رسم بإحساسه طفولة لحقتها المأساة، وكان الدمع عنوانا لذلك حتى لا تنسى الإنسانية ما يمكن أن تفعله بالبراءة وتشوهها على هذا النحو الذي تعبر عنه «الطفل الباكي».