افتتح المعرض التشكيلي السعودي "مرايا على الجدار: نحن بعيوننا" بصالة أثر الفنية بجدة، وهي الصالة التي تضم نخبة من أبرز الفنانين السعوديين ذوي الهوية الفنية العصرية المختلفة عما تعودت عليه صالات العرض الأخرى بالسعودية، وأعاد المعرض لذاكرة المتلقي السعودي ذكريات عاشها متصارعاً مع ثقافة الصورة منذ صغره، فهذه اللوحات الفنية التي تعبر عن الوجوه بملامحها وإيحاءاتها كانت محرمة فترة طويلة، وتعد من الأعمال الإبداعية للفنان السعودي أو من يقيم بالسعودية المخبأة في أرشيفه الخاص مع رسومات ومنحوتات أخرى. فصل الرأس عن الجسد يلغي التحريم وقدّم الفنان التشكيلي أيمن يسري تلك الرسالة من خلال لوحته "سكاكين"، وهي عبارة عن عمل فني عصري، اقتبس يسري رسماً صينياً مقلداً للوحة الموناليزا ملونة بألوان زيتية، وقام بتحديد الموناليزا بقصها وتجريدها من خلفيتها، واللافت في لوحته الخط الأحمر الفاصل بين الرأس والجسد. وعلل يسري ذلك باعتياده "منذ طفولتنا ومن خلال ثقافتنا الدينية أن نضع خطاً على رقبة أي صورة كاملة من باب فكرة أن الصورة محرمة، فإذا فصل الرأس عن الجسد لن تصبح صورة وبالتالي لن ترتكب الآثام والمعاصي"، ويضيف يسري متعجباً "من أشخاص يحكمون عليك، ويحددون مصيرك الأخير، بمجرد رسمك خطاً أو لا في المكان الذي يحددونه". ويضيف "إن فكرة الخط الفاصل بين الرأس والجسد بقيت كهاجس لدينا نحن الفنانين فحجّمت إبداعنا فكيف بنا نرسم لوحات بورتريه مفصولة بخط واضح؟"، لوحته عبارة عن صورة الموناليزا خلفيتها هي مجموعة من كلمات متكررة لكلمة "سكاكين"، واللافت في اللوحة هو الخط الأحمر الذي فصل الرأس عن الرقبة!، وغطت اللوحة بقماش من الشيفون الأسود الخفيف جداً ليعبر عن حالة تلك الأيام التي حرمت الصورة ورسمها حتى لوقت قريب، يقول يسري: "أتتذكرون كيف كانت الكتب المنهجية المدرسية؟ الطفل يدرس في كتب القراءة مثلاً (أحمد يزرع، هند تطبخ) ولا يجد سوى صور ورسومات مقطوعة الرأس!". الموناليزا تحولت إلى بورتريه "دعائي" وعن اختياره لصورة الموناليزا يقول: "إنها أشهر لوحة بورتريه، وتحولت إلى "أيقونة" دعائية وقد غيرها الشباب على الإنترنت مراراً وتكراراً، بين محجبة ومتعرية ورجل وامرأة وهكذا، فهي أكثر وجه بورتريه ستنجح في إرسال رسالتي". أيمن يسري لم يكتف بهذه اللوحة، فكانت هناك لوحتان تعبر عن مشروعه subtitle أحداها بعنوان: "آآآه"، وآخر "أنت جبان"، يحدثنا باختصار عن مشروعه هذا: "إنها صورة للقطة من فيلم مترجم، وأركز في عملي على الترجمة المكتوبة في الأسفل والتي تختلف حينها عن معناها الذي جاء في سياق الفيلم، وتصبح اللوحة بصورتها والجملة المكتوبة والمترجمة التي تعتمد في ترجمتها على ثقافتنا العربية وعاداتنا عملاً فنياً بحد ذاته". أما الفنان صديق واصل فقد اعتمد في لوحته faces of ten على مجموعة ضخمة من المعلبات الفارغة التي شكلها لتصبح مجموعة من الأقنعة التي جاءت متراصة ومتلاصقة ببعضها بعضاً لتوحي بأنها كومة من وجوه الناس التي أخفت ملامحها تحت هذه الأقنعة، فقد عاشت وماتت دون أن يتذكر الآخرون ملامحها وكأنه يشير من بعيد إلى أقنعة مازالت موجودة في حياتنا وعصرنا هذا. واختار الفنانون اسم "self-portraits: mirrors on the wall" بالإنجليزية لمعرضهم، وهو ما يوحي ببحث عن التفرد، في اسم المعرض وموضوعه، إذ قدموا لوحات فنية انطباعية تدمج بين الحرف والكلمة والصور التي كانت محرمة ذات يوم.