أبوبكر سالم القامة الفنية العملاقة، والحنجرة الذهبية التي لا تصدأ أو تتكرر، أحد أهم رموز الطرب في الأغنية العربية، أوصل اللون التراثي الجنوبي إلى محبي الفن في مختلف أصقاع المعمورة، غنى من أجل الحب والوطن واللقاء والفراق، غنى للإنسان والمكان، وصوته يزداد شبابا وعنفوانا منذ 50 عاما، يتعامل مع كل أغانيه بالمستوى نفسه من التفرد والعدل، ويمنحها القدر الكافي من طاقة أوتاره الشجية، وتفاعل جسده مع الإيقاعات يعطي أغنيته رونقا خاصا؛ لأنه مرهف، ومن طبعه الوفاء فدموعه سهلة النزول من عينيه عندما يكون الحديث عن أصدقائه أو حنينا للذكريات الجميلة التي لا تعود، وكأنه يتمرد على أغنيته الشهيرة «يا عين لا تذرفي الدمعة».. هكذا رآه الناس يبكي ببساطة في حلقة لا تنسى من برنامج «خليك في البيت»، وهكذا بكى على مسرح «هلا فبراير» عندما وجد نفسه محاطا بالأصدقاء، وبكى عندما زار مدينة حضرموت عام 2003، ورحبت به الجماهير ولسان حالها يردد أغنيته الشهيرة «يا مروح بلادك»، ودخل إلى بيت الشاعر الراحل حسين المحضار؛ ليتفقد أحوال أبناء صديقه الذي شكل معه ثنائية لا تتكرر، موجها درسا خاصا إلى كل فنان تعتم أضواء الشهرة عينيه عن مكانه وأهله وناسه، عرفه الناس فنانا أصيلا وشاعرا وملحنا له نكهة وبصمة خاصة، طوال 50 عاما من الفن كان ولا يزال نموذجا يحتذى به في تعامله مع الجمهور والفنانين والشعراء والملحنين، عشنا الفن مع سماع روائعه «يا بلادي واصلي»، «باشل حبك معي»، «يالله مع الليل» و«أربع وعشرين ساعة»، وبقية العقد الطويل الفريد. لم يشارك في مهرجان الجنادرية، على الرغم من أن جمهوره كان يتمنى أن يراه واقفا على مسرح أهم مهرجان وطني! ونسمع هذه الأيام أن وزارة الثقافة والإعلام بصدد المشاركة في حفل تكريم للفنان محمد عبده، ونتمنى أن تفعلها الوزارة، وتكرم «أبوأصيل»، فتكريم أبوبكر سالم هو تكريم للفن وأهله من المحيط إلى الخليج، ومن أجل أن تكون الأجيال التي عاصرته وعاشت مع فنه وألحانه و«داناته» شاهدة على هذا التكريم، الذي سيخفف من آلامه؛ لذا أكتب هذه الكلمات وأعطي المساحة لمخيلتي لعناق دموع أبوبكر سالم، وهو يقف على مسرح مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، محاطا بنجوم الفن والشعر، وذلك ليس مستحيلا!