جاءت أعمال التشكيلية السعودية صفية بنت زقر أشبه بوثائق فنية تحاكي عبر ملامح اللوحة معالم التراث السعودي وتاريخه الحديث. فتجربة الفنانة صفية بنت زقر امتدت إلى ستينيات القرن الماضي عندما بدأت بتجسيد مظاهر الحياة التراثية وما تحتضنها من جملة أعمال سلوكية وأحاسيس وتعاليم وممارسات وتقاليد وأعراف وشعائر، كما عبرت من خلال مسيرتها الفنية عن الهوية والذات، استنادا إلى وعيها التشكيلي وتمسكها بالتاريخ والحضارة والتراث وصياغتهم فنيا بأنفاس انطباعية واقعية. وترجمت التشكيلية الرائدة واقعها المحلي بأعمال من فيض ذاكرتها المختزنة والمستعارة من الصور الحياتية مستخدمة مفردات فنية بسيطة تحمل في آن واحد لغة تشكيلية مكثفة، متجنبة التعقيد في تكوين عناصر اللوحة، وخلال عرض أعمال صفية بنت زقر الفنية نجد دوما تلك القراءات التشكيلة الملتزمة بمعطيات الإرث التاريخي ذات رؤى فنية متطورة تنهل من عناصر التاريخ المعاصر الزاخر بأشكال متنوعة للحياة. وفي مزج واضح بين الاقتباسات الروحية والارتكازات الأكاديمية، صقلت صفية موهبتها التشكيلية بالدراسة في منتصف القرن الماضي في القاهرة ثم التحقت بعد ذلك بمعهد سان مارتن للفنون في بريطانيا، ثم جاء معرضها الأول في عام 1968 وتوالت بعد ذلك معارضها التي احتضنتها مختلف بلدان العالم العربية منها والعالمية. ومن الممكن القول إن صفية بنت زقر من الفنانات اللاتي تمسكن بفنهن الأصيل عبر التركيز في مجمل أعمالها على المدارس الفنية الكلاسيكية دون الالتفات إلى تعقيدات الأساليب الحديثة البعيدة عن التجسيد الإنساني بشقيه الحسي والملموس، فكان خلق صفية التشكيلي ذا دلالات تراثية تحاور ما يعيشه المجتمع المحيط بالفنانة لنجد لوحاتها وهي تبدو كلحظات مسروقة من الذاكرة لكنها موجهة بأسلوب تشكيلي يربط تلك الصورة الذهنية بما فيها من موروث زمني وإنساني باستلهامات معاصرة لتنسج مخزونا بصريا يسجل التاريخ عبر بوابة الفن. مغترفة في سردها التشكيلي اقتباسات لونية واقعية، نجد في أعمالها شخوصا بأزياء تقليدية وسلوكيات حقيقية وهي تحمل درجة من الخصوصية الإبداعية لتكون ذات بصمة فنية تستمد جذورها من عوالم الموروث المحاطة بأطر جمالية تبرز الإبهار الشرقي المحلي. ولابد من التطرق خلال الحديث عن الفنانة صفية وأسلوبها الفني إلى إنشائها «دارة صفية بنت زقر» التي تبرز نماذج من الفن التشكيلي السعودي وهي أشبه ببادرة ثقافية حية تدعو إلى استلهام الفن ونشر الثقافة البصرية الجمالية في المجتمع السعودي، وتستخدم الدارة ورشة عمل أيضا للمهتمات بالفن التشكيلي، أو لمتابعة المحاضرات والندوات الفنية، وتبدو تلك الدارة مرجعا لأعمال الفنانة على وجه الخصوص ومنبرا فنيا وثقافيا ينهل منه الجمال الإبداعي التشكيلي. ومن أبرز أعمالها: لوحة «بدوية من قبائل الحروب»، «لحظة انسجام - 1968م»، «بائع السمك - 1968م»، «الزبون - 1969»، «زفة الحلاقة - 1975م»، «سوق الحريم بالرياض - 1983م»، «الدلالة - 1984م»، «اللب - 1985م»، «ذكريات - 1987م»، والكثير من الأعمال الأخرى التي صاغت خصوصية المجتمع السعودي في مناطق مختلفة من المملكة بلمسات تشكيلية أرست لصاحبتها مكانة مرموقة في الساحة التشكيلية المحلية. زمن العقيلي