الأربعاء الماضي، وفي ليلة جميلة، اختلط فيها الفن بالتراث والثقافة، احتفلت الأستاذة الفنانة «صفية بن زقر» بمرور «17 عاماً» على إنشاء دارتها المسماة «دارة صفية بن زقر»، لا أعتقد أن أحداً لا يعرف هذه المرأة التي كرست حياتها لخدمة وطنها ثقافياً، فإضافة إلى أنها فنانة تشكيلية من جيل الرواد للفن التشكيلي بالمملكة، تحديداً «جيل عبدالحليم رضوي، ومحمد السليم، ومنيرة موصلي»، نقلت عبر ريشتها الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، لجميع مناطق المملكة بصفة عامة، والبيئة الحجازية بصفة خاصة، بحرفية عالية في موهبتها، وخصائصها، ومميزاتها الإبداعية، فقد جعلت من دارتها ملتقى ثقافياً للمبدعات، إذ تستضيفهن في لقاء مباشر مع الجمهور مرة واحدة في الشهر، وكذلك المبدعين عن طريق الدائرة التلفزيونية من شعراء، وكتّاب، وروائيين، وفنانين، وتراثيين، عدا الزيارات اليومية التي تستقبلها الدارة من السائحين والمهتمين بالفن والتراث من داخل المملكة وخارجها، فهي تشكل متحفاً جميلاً، وفريداً بمواصفات عالمية، استقتها من خلال دراستها للفن في الخارج، ورؤيتها للكثير من المتاحف العالمية الشخصية، وما تقدمه من خدمة للتاريخ، والتوثيق للأوطان المتغيرة في حراكها من القديم إلى الحديث. كان لدراسة السيدة صفية بن زقر في القاهرة إلى المرحلة الثانوية، ثم الانتقال إلى إنكلترا لدراسة الرسم وفن الجرافيك في كلية «سانت مارتن» للفنون، أثره الواضح في نضج تجربتها الفنية، تقول هي عن ذلك في كتابها المعنون باسم «رحلة ثلاثة عقود مع التراث السعودي»، الذي قدم له الأمير «فيصل بن فهد»: «إن زيارتها للمعارض والمتاحف الفنية العالمية أدى إلى تفتح رؤيتها الفنية باكراً»، ونستطيع أن نكتشف هذه الرؤى من خلال لوحاتها الفنية المرسومة بريشتها الجامعة لكل مدارس الفن التشكيلي، ولكن ببصمتها الواقعية المنصبة على التراث وتوثيقه رسماً، ومادة، عن طريق المقتنيات التي تزخر بها الدارة من أزياء، وحلي، وفنون حفرية، ونقوش حجرية. تقع دارة صفية بن زقر، التي افتتحها الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، في حي البغدادية العتيق بمدينة جدة، يقول الدكتور محمد بن صالح الرصيص - جامعة الملك سعود، عن أهمية هذا الموقع: «إنه يحقق أهداف الدارة المتمثل في تيسير وصول الزوار والسائحين إليها براحة تشجعهم على التردد عليها»... ولمعلومات القارئ فإن السيدة صفية بن زقر أقامت الكثير من المعارض الشخصية لها على مستوى عالمي في كل من فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، ولها لوحات مقتناة في كل من «إنكلترا، واليابان، وإسبانيا، والسويد»، وحصلت على الكثير من الجوائز والشهادات العالمية، منها شهادة تقدير من «اليونيب» لأعمالها في حماية التراث، ومثلها من «اليونيسيف» عن لوحتها حراج الجمال، عدا الشهادات والجوائز الداخلية، ولم تكتفِ السيدة صفية بن زقر بتفوقها في جمع لوحاتها، وحفظ مقتنياتها من التراث، وجعل دارتها ملتقى للثقافة والتراث معاً، بل خصصت قاعة لتدريب وتعليم الأطفال والناشئة والكبار ممن يمتلكون موهبة الرسم، وقد أثمرت هذه الدورات عن تخريج الكثير من المبدعات اللاتي شاركت أعمالهن في مسابقات خارجية، إضافة إلى مكتبتين تقدمان خدماتهما للمهتمين بالرسم والفنون، منهما واحدة للأطفال مع مراسمها. هذه السيدة التي إذا دخلت دارتها أحسست وشممت تراثنا القديم بكل تفاصيله، اقتناءً ورسماً بريشتها، ودعمها للأعمال الخيرية، تستحق منا كل التقدير والتكريم، الذي أتمنى أن تناله هذه السيدة بأعلى وسام تقديري من دولتنا، فهي لا تقل أهمية في دورها عن كل الرواد الذين نالوا هذه الأوسمة. [email protected] @zainabghasib