*مراسل «نيويورك تايمز» الأمريكية من القاهرة ألهمت الانتفاضات الشعبية، التي اجتاحت بعض دول العالم العربي أخيرا لتهز أرجاء قارتين بأسرهما، الكثير من الدول الأخرى المنادية بالديمقراطية والإصلاحات السياسية، لأنها تقدم شعورا جديدا بالهوية الوطنية. ورغم ذلك، بات شبح الانقسامات يخيم على هذه الانتفاضات، ويهدد بفشلها. هناك الاحتقانات الدينية ابتداء من أزقة إمبابة المصرية الفقيرة التي شهدت معارك شوارع بين المسلمين والأقباط، إلى الريف السوري حيث أثارت حملة القمع الوحشية المخاوف من تسوية الحسابات الطائفية، والأصولية في تونس، والقبائلية في ليبيا. وهي باتت جميعها تنخر في عظام الانتفاضات التي بدت وكأنها تنذر بالإجابة عن مسألة الهوية الوطنية التي طالما أرقت العالم العربي منذ عهد الاستعمار. هل يمكن للثورات العربية أن تشكل بديلا يتماشى مع التنوع في العالم العربي؟ الأمثلة السابقة أثبتت فشلها، منها حكم الرجال الأقوياء في مصر وسورية وليبيا واليمن، والتوازن الهش بين المجتمعات في لبنان والعراق، وغير ذلك. وفي إطار الثورات العربية، يجري اختبار فكرة المواطنة الأوسع بعد أن أدى الصمت عن الاضطهاد إلى تنافر بين فئات المجتمع. وتم استخدام الأمن والاستقرار وسيلة للقمع. ولكن في ضوء العقوبات الأمريكية، بات الشعور السائد هو أن الشعوب تستطيع أن تتخيل البديل. وفي تونس - التي تحظى بتجانس نسبي بين سكانها المتعلمين- ظهرت انشقاقات بين سكان المناطق الساحلية ذوي التوجه العلماني، وسكان الداخل الأكثر قربا إلى الدين والتقاليد. وبدا ذلك جليا عندما قال وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي إن النخبة الساحلية التي كانت تسيطر على الحكومة لن تقبل بانتصار انتخابي يمكن أن يحققه حزب النهضة الإسلامي الذي يستقطب سكان الداخل. وفي مصر، مهد الشعور بالهوية الوطنية - الذي شهد زخما في الثورة التي جمعت المسلمين والمسيحيين في ميدان التحرير- الطريق أمام أسبوع من العنف الديني بين الأقباط والمسلمين، وهو ما يعكس احتقانات ظلت مكتومة لزمن طويل، وحاول النظام السابق إخفاءها أو تركها تتزايد. وأخيرا فإن القبائل المنتشرة إلى حد كبير في غرب ليبيا، والتي تسهم بالجنود في قوات العقيد معمر القذافي، لن تسمح أبدا بنجاح الثورة من الشرق، مهما كانت وعود الثوار بمواطنة واحدة في ليبيا تنعم بالديمقراطية تظل عاصمتها كما هي طرابلس.