كمراقب ومواطن سعودي يشغلني موضوع التأمين الصحي، وأتابع شؤونه بحكم التخصص الاقتصادي منذ فترة ليست بالقصيرة.. وبالطبع هناك العديد من النقاط والرؤى حول هذا القطاع وتطبيقاته، لكني سوف أؤجل بعضها إلى مرة قادمة وسأتطرق هنا إلى جزئية قد لا ينتبه لها البعض مع أنها تشكل أهمية كبرى وهي استثناء الأدوية والأمراض النفسية من التأمين الصحي.. والذي أعتبره في الأصل خللا ثقافيا وأخلاقيا كبيرا في مفهوم الثقافة الصحية والتأمينية، يعود إلى تكريس الجهل والخرافات التي تعد الأمراض النفسية ضربا من الجنون.. وهو ما يتعارض مع ما ننادي به في مدارسنا وتعليمنا وحياتنا الجديدة من أن المرض النفسي لا يختلف عن المرض العضوي وأن علينا تجاوز النظرة الدونية لذلك وما كانت تتطلبه من خجل مجتمعي. ومع أنني واجهت وزير الصحة السابق بسؤال مباشر عن ذلك وأجابني على الملأ بأن التأمين الصحي يغطي الأمراض النفسية وأدويتها كما الأمراض العضوية، إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق بعد وعلى كل من يخضع منكم للتأمين الصحي إعادة قراءة وثيقته والاستثناءات التي تؤكد عدم تغطيتها للمرض النفسي أو العصبي.. وترفض المستشفيات والمراكز الصحية التعاطي مع هذا الأمر؛ حيث إن إجابتهم جاهزة، وهي أنهم لن يقدموا الخدمة الطبية لهذه الأمراض إلا بعد موافقة كاملة ومسبقة من شركات التأمين التي ترفض ذلك جملة وتفصيلا فيضطر المريض أو ذووه إلى تحمل التكلفة أو البحث عن علاج في مستشفى حكومي. وكما هو معلوم يعد التأمين الطبي من أهم المجالات التي تستثمر فيها شركات التأمين المرخصة في المملكة.. ومع اقترابنا من التأمين الصحي الإلزامي ما زال الكثيرون من حملة وثائق التأمين الطبية يعانون عدم تغطية الأمراض النفسية وأدويتها، رغم أن أغلب الأدوية أسعارها تقع في مستوى أدوية الأمراض الأخرى.. وبكل صدق فإنني لا أعرف مبررا لهذه الاستثناءات سوى التخفيف عن كاهل شركات التأمين وزيادة ربحيتها، لا سيما أن عددا ممن يحملون الوثائق التأمينية قد لا يستخدمونها في العام إلا مرة أو مرتين.. والكارثة أن يكون السبب، لا سمح الله، هو الاستخفاف بصحة الناس النفسية ودفعهم إلى الاعتماد على المشعوذين وتجار الرقى والسحر. وهنا آمل أن يتحرك مجلس التأمين الصحي التعاوني ووزارة الصحة لإلزام شركات التأمين بتغطية ذلك والتخفيف من الاستثناءات التي أصبحت هي القاعدة تقريبا في وثائق التأمين وليست الاستثناء.