أذكر أنه ذات غفلة، تنبهت إلى حديث فتاتين صغيرتين كانتا تشاهدان التلفاز في منزلنا، وكالعادة ليست سوى إحدى قنوات الأطفال التي يفوق ما عليها ما لها، لتسر إحداهن للأخرى بأن الفتاة التي تصرخ في وجه الرجل المسن هي ابنته التي لم يعترف بها، وأنه هو ذاته لا يعلم أنها ابنته لقدم عهده بها. نبهتني لحظة الذهول تلك إلى سعة عقلية الطفلتين اللتين لم أتخيل مرة أن تطرح إحداهما أمرا كهذا، حيث إنهما لم تتجاوزا حينها الصف الرابع الابتدائي حسب ما أذكر. ولا يستغرب ذلك مع كثرة نوافذ الإعلام ومنافذ المعرفة التي توفرت لهذا الجيل، التي سهلت له المعلومة التي تفوق عمره وقولبتها في إطار طفولي مستساغ، ليتناوله كلقمة تهضم ويسري مفعولها بيسر إلى تلك الأدمغة الصغيرة. وهنا يقع اللوم على الآباء والأمهات الذين سمحوا لسموم تلك الطوارق بخدش طفولة أبنائهم، ولا أقصد هنا أن عليهم حجبهم عن تلك القنوات وما شابهها، حيث إن المنع سياسة غير صالحة الاتباع في هذه الأيام، فكل ممنوع مرغوب، وكل مرغوب يسهل الحصول عليه بالخفاء. الواجب الذي أقصده هو «المتابعة والتقنين»، فيكفي جلوس أحد الوالدين مع الطفل والحديث معه أثناء المشاهدة لتصحيح كثير من المفاهيم التي كانت تلج عقله بما تبث من سموم، كما أن الحد من ساعات التسمر أمام التلفاز يسهم في توجيه الطفل إلى روافد أخرى للمعرفة والتسلية، خاصة إذا ما حفز الطفل على ممارسة أنشطة حركية مفيدة. وإذا ما قارنا بين كثير من مسلسلات الكرتون أو «الإنمي» قبل عشر سنوات أو أكثر، وبين ما هي عليه الآن، فلن نستطيع حصر الفوارق، لا فوارق الدقة والألوان واتضاح التعابير، بل فوارق المضامين والقوالب التي تشكل فيها، حتى أن بعض موضوعات «الإنمي» الجديد – دون مبالغة - تكون صالحة للتجسيد في مسلسل أو فيلم سينمائي تحظر فيه المشاهدة العائلية. لن يجدي التحسر على الماضي، بل حسن الرقابة والتوجيه ومعرفة ما يحسن القبول به وما لا يحسن، ومتى وكيف يكون ذلك القبول، فمتى كبر ذلك النشء على ما اعتاده من «الأفكار المغربة» بات من شبه المستحيل تقويم اعوجاج الفكر، هذا إذا ما تجاوز التأثير ذلك إلى ما أبعد منه مما يمس العقيدة، ومما لا حاجة لذكر ما لا يحصر من أمثلته المشاهدة.