لو تأملنا الحالة العربية الراهنة للمسنا أن شيئا من التخاطر بين الشعوب دفع به ذلك التشارك في التطلع نحو الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وكذلك هو الأمر المثير للتساؤل والغرابة ظهور التخاطر نفسه بين القادة العرب، دفع به التشارك نفسه في الرغبة في الاستمرار والبقاء في السلطة وقمع المحتجين السلميين، فالاتهامات التي تكال ذاتها، وحبائل المؤامرات الخارجية نفسها، والأساليب القمعية لا تختلف، لذلك فإن دل هذا على شيء فإنه يدل على وحدة هذه الأمة العربية بكل أقطارها، ووحدة الشعور الداخلي والنفسي وتطلعهما في النفس العربية لأهداف وطموحات عربية واحدة، هذه مسألة نفسية دقيقة بحاجة إلى دراسات معمقة وبحث طويل، إنها حالة عربية مميزة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ العالمي. فيا ترى ما السر الذي جعل شعوبا تتحرك ومنطقة بأكملها تتزلزل وتضطرب؟ هل حقا كان ذلك بسبب حريق أشعله مواطن في نفسه احتجاجا على صفعة من مجندة أمن؟ أتصور أنها أعمق من ذلك، هذه الرقعة من العالم لها خصوصية، ولسوء الحظ أن هذه الخصوصية العربية تمثلت بالظلم الواقع عليها من الجهات نفسها، إن كانت جيوش الاستعمار ودبابات المحتل، أو كانت حكاما مستبدين وطغاة ظالمين، لذلك فأينما تنقلت بالنظر في هذه البلدان لوجدت وحدة المصير الظالم، وملامح المعاناة ذاتها، واستنساخا لما يجري في بقية البلدان العربية الأخرى، هذا النوع من الوحدة المؤلمة خلق في هذه الشعوب نوعا من التضامن والاتحاد واللحمة المعنوية، نتيجة أن كل شعب من هذه الشعوب يعرف جيدا نوع المعاناة التي يمر بها الشعب الآخر، لأنه يمر بها باختصار. إذن، فالجميع يده في النار، والجميع يعرف حرارة هذه النار ووجعها والألم الذي تثيره في نفسه ونفوس الآخرين، لا نملك إلا أن نسأل الله لأشقائنا العرب كل صلاح وأمن وأمان وتقدم وازدهار، ويرفع عنهم الشقاء والبؤس، ويحقن الدماء.