هذه التدوينة ترددت كثيرا في كتابتها.. فعندما أسررت لأحد الزملاء بذلك، وكان يقول إن الجميع سيكرهك لأنك انتقدتهم! فهو يزعم أن هناك شللية تطغى بين المدونين، وإن كنت أستبعد الكره ولا أنفي الشللية لو كانت موجودة، إلا أن الهدف الوحيد من هذه التدوينة هي إبداء وجهة نظر حول هذه الجائزة لمن يهتم بها ومن له علاقة مباشرة لتطويرها وتفعيلها، لأني شخصيا آسف أنني لم أتعرف على هديل جيدا إلا بعد وفاتها وهي تستحق كل هذا الوفاء من مجتمع المدونين، وهي خطوة صحية مناسبة ورائعة، لكن في المقابل هذا الاسم يستحق أيضا أن نعمل شيئا مناسبا يتلاءم مع هذه الشخصية - رحمها الله-. ومن هذا الباب أتمنى أن تكون الردود حول الأفكار التي أراها بدلا من رمي الانتقادات والاتهامات بالتقصير من باب قول الشاعر: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم / أو سدوا المكان الذي سدوا.. ولأني أعرف العربية جيدا سأدافع عن رأيي بقول المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيبا / كنقص القادرين على التمام ولهذا آمل أن تتسع صدور القائمين على الجائزة بهذه الملاحظات: هل هي عالمية فعلا؟ «جائزة هديل العالمية للإعلام الجديد».. في هذا المسمى لي أكثر من وقفة، الأولى في مسمى «العالمية» فما المقصود بها؟ وكيف أصبحت عالمية؟ هل يمكن أن يفوز بالمشاركة أمريكي وبريطاني وياباني مثلا؟ أو المقصد إضفاء صفة الأهمية للجائزة بإطلاق هذه الصفة.. وأرى أنها صفة قد تحرج القائمين على الجائزة لاحقا ما دامت النية ليست واضحة حول ترشيح مدونات غير عربية «وبالنظر لشروط المشاركة بأنها تتطلب الكتابة باللغة العربية الفصحى». وحذف هذه الصفة لا يمنع من شمولية الجائزة للخليج أو العرب لأن العالمية صفة في العنوان يجب أن تتحقق في المضمون، وهذا لا نراه في الدورتين الماضيتين. الوقفة الثانية حول مصطلح الإعلام الجديد، وأنا أسير مع هذا المصطلح كونه أكثر انتشارا وتطرقا في الإعلام بشكل عام، إلا أن الأبحاث الجديدة لفتت النظر حول – دقة – هذا المصطلح، وهل فعلا يصح علميا أن يطلق عليه الإعلام الجديد؟! من باب أن الجديد لابد من يوم وأن يصبح قديما.. فهل يستمر الإنترنت إعلاما جديدا لمدة مئة عام؟! التليفزيون مثلا كان يعد إعلاما جديدا في وقت الصحافة والإذاعة، لكنه الآن يعد تقليديا أو إعلاما قديما! وفي هذه الوقفة أرى أن الجائزة يجب أن يكون لها حضور واضح لتفسيرها واتخاذ خطوة مهمة في ابتكار مسمى أكثر منطقية لهذا النوع من الإعلام، كما يطلق عليه بعض المتخصصين الآن «الإعلام الرقمي، أو الإعلام التقني، أو الإعلام الإلكتروني» للخروج من هذا المأزق اللغوي، وكون الجائزة يوما من الأيام ستصبح علامة فارقة وتاريخا أصيلا لهذا العصر الإعلامي. الإعلام الجديد.. سمات أم تعريف؟ وهذه إشكالية لم أجد لها تفسيرا واضحا أو تعريفا «جامعا مانعا» يمكن إطلاقه بوضوح على هذا الإعلام.. ورأيت في موقع الجائزة تعريفا مقتضبا استنادا إلى تدوينة كتبتها هديل رحمها الله، ولا أعتقد أنها كتبت شيئا يمكن أن يكون تعريفا واضحا لهذا الإعلام، أو كما كتب تحت نصها المقتبس هذه العبارة: «انطلاقا مما ذكرته هديل فالإعلام الجديد هو الإعلام الفردي الذي لا تدعمه إمبراطوريات إعلامية ضخمة وإنما جهد شخصي ويوظف الوسائل التي ذكرتها هديل وغيرها من الوسائل». فهل هذا فعلا تعريف الإعلام الجديد أنه إعلام فردي لا تدعمه امبراطوريات إعلامية ضخمة وهو جهد شخصي؟! سأتحدث عن وجهة نظري، فهذا التعريف غير دقيق وغير واضح.. حتى المقطع الفيديو الذي كان تعريفيا بالجائزة والذي يحدد الإعلام الجديد بأنه يكتب بدون رقابة أو رئيس تحرير وغيرها.. أنا – شخصيا – أرى هذا تعديدا ل «صفات» هذا الإعلام وليس تعريفا له! فالجهود الفردية «سمة» لهذا الإعلام الجديد، وليس كل إعلام جديد تكون جهوده فردية! إذن أين ذهبت الجزيرة توك مثلا، والعربية ومواقعها التفاعلية.. فهذه مواقع وخدمات يطلق عليها الإعلام الجديد، وإذا طبقنا مفهوم جائزة هديل عليها لخرجت من كونها إعلاما جديدا إلى إعلام غير معروف! لأنها مواقع أو خدمات تحت إمبراطورية إعلامية. ما أود إيضاحه هنا أن الكتابة بحرية أو دون رقيب أو سلطة «حارس البوابة» كما يطلق عليه أهل الصنعة، هذه سمة وصفة لهذا الإعلام، أن الأفراد يشاركون في صناعته وخدمته، هذه أيضا سمة لهذا الإعلام، فلم نصل بعد لتعريف واضح للإعلام الجديد، ولم يقع تحت يدي هذه الأيام كتاب يوضح مفهوم الإعلام الجديد وتعريفه تعريفا دقيقا يحدد ما يدخل فيه وما يخرج منه، ولهذا أرى أنه سيكتب «أو هو مكتوب ولم أطلع عليه» ويحتاج لبحث وتمحيص من قبل المهتمين والمختصين في هذا المجال، وآمل من الجائزة نفسها أن تبحث وإن لم تجد منالها أن تحاول ابتكار تعريف يتلاءم مع الوصف الصحيح لهذا الإعلام الجديد/ التقني. ضوابط التحكيم أعتز كثيرا بالأسماء التي طرحت للتحكيم، وإن كنت أتعجب من إدراج بعض الأسماء التي ليس لها علاقة بالتدوين، ولا أدري من أي نظرة سيحكم على المدونات؟ هل التي تهتم بالشأن الحقوقي مثلا والإصلاحي؟ حتى وإن صاحب المدونة أو الكاتب يكتب في تخصصه أو لا يجد في نفسه ميلا لهذه الموضوعات؟ فما زلت فعلا أنتظر إجابة شافية حول سبب اختيار كل شخص، مع أهمية بعض الأسماء التي لها تخصص في مجال الإنترنت والحاسب، ومشاركة مدونين في ذلك «وهذا يعني حرمانهم من المشاركة في مدوناتهم!» أو كما تساءل أحد الزملاء بمكر في حفل الجائزة «ما معيار اختيار مدون ما للتحكيم؟!» كلها تساؤلات أعتقد أن من حق المشاركين والمدونين أن يأخذوا إجابة شافية ووافية حول هذه اللجنة وأسباب اختيارهم. كما أن ضوابط التحكيم يجب أن توضح بشكل كاف ففي السابق كانت الضوابط بأن الموقع المرشح يجب أن يكون مستمرا ومراعيا للغة العربية وغيرها.. فما مقياس الاستمرار؟ لا أجد مانعا أن يوضع مقياس واضح مثل «تدوينة كل أسبوعين على الأقل» وهذا يضبط المنافسة ويحفز المدونين على المشاركة، وكذلك الحال في اللغة العربية هل المقصود منها الفصيحة؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا تفوز مدونات تفيض العامية منها بغزارة؟! على الأقل يجب أن يحدد هذا الأمر بعناية كذلك لإنصاف المشاركين. ومن الضوابط أيضا تقسيمات الجائزة وتناولها لمجال التدوين بشكل خاص مع تقسيماته «شخصي، عام، متخصص، صوتي، فيديو»، فهل يمكن أن تكون الجائزة مثلا: جائزة هديل للمدونات العربية؟ لأن مفهوم الإعلام الجديد يتضمن أمورا أكثر من التدوين، هل يمكن أن يدخل فيها صحيفة إلكترونية؟ أو صورة احترافية «باعتبار أن الصورة عمل فردي نشر في الإنترنت» وتويتر والفيس بوك!، البحوث المتعلقة بالإعلام الجديد وغيرها من الأمور التي يمكن أن تضاف لاحقا في تقسيمات الجائزة لئلا يظهر أنها موجهة للمدونين فقط وهم فئة مهمة لا شك.. لكنهم جزء فقط من هذا العالم الرقمي الفريد. التنظيم والحفل لاشك أن إقامة حفل الجائزة خطوة مهمة جدا، وهي فرصة للالتقاء بعدد كبير من المدونين، وإن كان من ثمة ملاحظات فهي تحديد موعد الحفل لم يأخذ وقتا كافيا، فهذا سبب حرج لمن يأتي من خارج المملكة أو من مكان بعيد، إضافة لاعتذار عدد من المدونين بسبب ضيق الوقت وعدم التنسيق قبل وقت كاف، كما أن المفترض أن الدعوات توجه أولا للفائزين أو المرشحين ثم تتاح الفرصة لمن يرغب بتسجيل حضوره بتعبئة الدعوة في الموقع. أخيرا.. هذه الملاحظات لا تنقص أبدا من الجهد الكبير الذي بذل لهذه الجائزة، وأعرف حرص القائمين عليها ورغبتهم في تطويرها للأعوام القادمة، وتفعيل برامج الرعاية لتمويل الجائزة، وما هذا الموضوع والحرص إلا لرغبتي الشخصية في أن تكون هذه الجائزة «النموذج» المثالي الذي يتوج جهود المدونين والمدونات، وكذلك المبدعين الذين وجدوا في فضاءات الإنترنت سماء لنشر إبداعاتهم ومواهبهم. مدونة عبدالله الخريف http://akhuraif.com