كان المفتي واضحا جدا وهو يتحدث عن الفساد في العقود الحكومية والمحسوبيات والرشاوى والأرقام الفلكية التي لا نرى أثرها على الواقع، وعن التوظيف بالواسطة وعدم كفاءة الكثير من أصحاب المناصب. منذ زمن يتحدث الكثيرون عن دور المفتي وهيئة كبار العلماء الغائب عن مشكلات الوطن التنموية والاقتصادية التي لها تأثير مباشر على حياة الناس.. في هذه الخطبة يعود المفتي بقوة وبوضوح لا يحتمل التأويل وهو يقول: نرى ونسمع عن عقود بمبالغ كبيرة ولكن لا نرى أثرها ويتم تنفيذها بطريقة مخلة.. لم يكن أقل وضوحا وهو يقول: احذر من مغبة التلاعب في عقود المشاريع الحكومية أو ترسيتها على جهات دون غيرها عن طريق الرشاوى. هذا الوضوح المحمود من قبل المفتي يحتم علينا مباركته ودعمه وبحث كل طريقة تجعل من كلامه آلية واضحة لمحاربة الفساد.. ربما تكون مناقشة هذه المشكلة وحلها من الجذور يتطلبان آليات تحتاج إلى وقت طويل. ولكن نستطيع ألا نتوقف عن الحديث حول الفساد بكل الطرق الممكنة.. في المقالات والتقارير الصحفية في كل مكان نستطيع أن نتحدث فيه ككتاب وكمواطنين.. ومن الممكن أيضا أن تنسق الصحف مع هيئة التحقيق والادعاء العام وديوان المراقبة العامة لنشر معلومات وأرقام عن قضايا الفساد بأنواعه.. ونحارب هذا التعتيم غير المفهوم من قبل هذه الجهات.. لا نريد أرقاما فقط.. نريد معلومات حتى لو لم تكن تفصيلية. فالمهم أن ننشر كل ما يمكن وصفه بقضية فساد مالي أو إخلال. نريد خلق أجواء مكثفة لمحاربة الفساد.. نريد أن يشعر كل فاسد ومرتش أن الأجواء ليست ملكه وأن الوضع يتجه لتضييق الخناق عليه.. نريد أن نجعل من الفساد مهمة محفوفة بالمخاطر والخوف وليست مهمة سهلة ومربحة وآمنة. بالطبع نحن نريد أن يكون هناك حل جذري لمحاربته. ولكن يجب علينا ألا ننتظر حتى يتم ذلك. دعونا نكتب الخطابات لمحاربته، دعونا نرفع أصواتنا لمجابهته، لننقل ثقافة الاحتساب من معرض الكتاب إلى معرض الوطن.. أرجوكم.