ظاهرة اجتاحت الوسط الفني أخيرا أفسدت ذوق الفن عموما وأصبح البقاء فيه للأقوى والذي يملك الرصيد الكافي للاستمرار، فنانون فتحوا أفواههم وأصبحوا كحصالات النقود لا يمكن أن يغنى إلا بعد أن يقبض المبلغ المالي الذي يسيل له اللعاب. ولم تبدأ هذه الظاهرة إلا في السنوات العشر الأخيرة بعد ظهور الفضائيات والأغاني المصورة التي أفسدت ذائقة الفن، كذلك لا يمكن إغفال تلك القضايا التي طفت على سطح الفن ومنها سرقات القصائد الشهيرة كما حدث مع المطربة أحلام التي كشفت نفسها قبل سنتين عندما اختارت أغنيه للشاعر منصور الشادي سبق أن غناها يزيد الخالد في ألبوم غنائي من إنتاج فنون الجزيرة قبل عشر سنوات. بعض الفنانين تنازلوا أيضا عن ذلك العرش المتفرد في الغناء واختيار النصوص الفنية الجديدة وفضلوا تقديم بعض الأعمال سبق أن غناها فنانون آخرون سبقوهم فيها، حيث قدم الفنان عبدالمجيد عبدالله أغنية القوس قوسك التي سبق أن غناها عيضة المنهالي وأغنية شطن بي الغزلاني وصوتك الموسيقي التي قدمها الفنان الإماراتي ميحد حمد قبل سنوات، وقد ذكر عبدالمجيد عبدالله أن هذه الأغاني قدمت قبل سنوات لكنه غناها بشكل رسمي، وهي أعمال مدفوعة الثمن. بعض الفنانين والملحنين غيروا اتجاهاتهم الفنية وأصبحوا سماسرة يتاجرون بأحلام الشعراء الشباب من أجل مبالغ مالية تدفع للشاعر المنتج يفيده فيها السمسار«الفنان» بأن العمل الشعري الموجود لدى الشاعر الفلاني عمل سيغنيه في ألبومه القادم فيضطر الشاعر المنتج لدفع مبلغ مالي فلكي يقدم ربعه أو أقل من الربع للشاعر الذي سيرضى حتما بقليله في سبيل توفير لقمة العيش الكريمة. أغنية الأماكن والنورس هي نتاج تلك الاتفاقيات، فالجميع يعرف أن أغنية الأماكن لم يكتبها منصور الشادي وكان وراء نجاحها الشاعر علي عسيري الذي أنكر أيضا ذلك الموضوع، لكنه ما لبث أن رضخ لأسئلة أحمد الحامد في ليلة سرمدية قال فيها العسيري «أنا إنسان أريد أعيش وافهمها يا أحمد زي ما تفهمها». الملحن فايز السعيد أيضا أحد الملحنين الذين يحاولون إيجاد الأصوات التي من الممكن أن تقدم أغاني الشاعر فزاع حتى وإن كانت الأعمال تقدم بشكل مكرر وليست مختلفة عما قدم من قبل فظهرت أغاني عديدة وتنازل فنانون عن بعض الأفكار التي كانوا يتمسكون بها كما حدث مع محمد عبده الذي كان يرفض فكرة الظهور في فيديو كليب حتى جاء الشاعر فزاع وقدم له أغنية تفرقنا السنين التي غناها بمصاحبة الفنانة أصالة نصري في فيديو كليب خالف كل توجهات وسار عكس قناعات محمد عبده. أحد الشعراء الشعبيين صرح أيضا قبل فترة بأن المطربة أحلام غنت له من ألحان بديع مسعود عملا باسمه وعندما لم يستلم حقه المالي اضطر للجوء إلى الصحافة وتشويه صورة الشاعر والملحن بصورة مؤسفة. كما أن مما ساهم في انتشار هذه الظاهرة بعض الأسماء الشعرية التي زجت بنفسها في عالم الشعر وقدمت مع أغلب الفنانين أعمالا متناقضة ومختلفة عن بعضها ولا يمكن أن تكون من أفكار شاعر واحد، فهوية الشاعر والفنان تحدد من خلال عمل أو عملين ويستطيع المتلقي تمييز ذلك الشاعر من خلال أعماله حتى وإن لم تذيل قصائده باسمه فقد أصبح أشهر من نار على علم. هذا القارب الصغير الذي أصبح يمخر عباب الفن حمل في داخله زمرة أهل الفن يتقدمهم محمد عبده وعبدالمجيد وعبدالله الرويشد وحتى عبدالكريم عبدالقادر الذي قبل بأعمال أقل من مستواه الفني ولم تقم له بعد تلك الأعمال قائمة، وأصبح من الفنانين الذين يعيشون في منطقة الظل .