آخر عهد لي بحراج سيارات مدينة الرياض كان منتصف العام 2001 حين كنت بصحبة والدي لبيع سيارتي الصغيرة آنذاك.. تركت المعركة لأبي يخوض فيها ويلعب كما يريد أمام الشريطية، وهو تعريف مختلف قريب من مفهوم «السمسار». أتذكر تلك اللحظات جيدا فأنا قريب من شراء سيارة جديدة والتخلص من سيارتي القديمة، لم أكن أتأمل أي شيء، أريد فقط البيع واستلام المبلغ لإضافته لمبلغ شراء السيارة الجديدة. الآن بعد مرور عشرة أعوام، اتجهت وحدي إلى حراج السيارات بحي النسيم بنفس السيناريو.. أريد البيع لأجل شراء سيارة جديدة، عند دخولي الحراج للوهلة الأولى تطاير الشريطية من كل حدب وصوب لاقتناص السيارة قبل أن تأخذ طريقها في ساحة الحراج.. أي قبل أن يراها راغبو الشراء الفعليون والشريطية المتواجدون داخل الساحة، طبعا الحال تغير الآن وأصبحت أكثر خبرة وجرأة في الحياة بشكل عام، وكان واضحا أني في مسلسل كوميدي من الدرجة الأولى.. الشريطية هم أبطاله. لا أبالغ عندما أقول إن الانطباع العام عن الشريطي أنه في الغالب شخصية دنيئة كاذبة من الدرجة الأولى وسلاحه الهجوم النفسي على مالك السيارة لمحاولة شرائها منه بأقل الأثمان، وللأسف وفي مشاهدات سريعة، كثير من أساليبهم تنجح، حيث يعد صغار السن أو «الشياب» أو الأجانب وجبة دسمة لهم لا يمكن تفويتها، لذلك تراهم يتجمعون على السيارة واستخدام كل التكتيكات الممكنة. سأتناول هنا بعض أساليبهم.. أولها هو سوم السيارة بقيمة بخسة جدا لمتابعة ردة فعلك.. ففي حالي مثلا جاءني أحد الوقحين جدا وقال لي «تبيع يا رجال بسبعة آلاف؟». طبعا كان الهدف هو ترقب ردة فعلي، فهو لن يشتري فعلا ولكن سيمهدك لمن بعده، أقصد هو سيقول لك بسبعة ومن سيأتي بعده من أصدقائه سيقول عشرة ومن ذلك ستشعر بأن الفارق مقبول جدا وتبيعها له رغم أن سيارتك قد تصل قيمتها إلى 20 ألف! الأمر الآخر هو محاولة إحباطك بمنحك سومة ناقصة جدا.. فقد تدخل السوق مغترا بنظافة سيارتك وخلوها من الصدمات والمشكلات لكنك ستخاف بكل تأكيد عندما ترى السوم يبدأ من هذه القيمة. النقطة الأخرى هي منحك سومة مناسبة.. فلنفرض أنها 25 ألف ريال ويطلب منك الخروج من السوق لشارع جانبي لكي يجربها وهو أمر يكلفك من الوقت نحو نصف ساعة للخروج والتجربة والعودة مرة أخرى.. وبعد أن يجربها ويتأمل مكينة السيارة يحاول تضخيم أي عيب يجده فلو وجد نقاط زيت سيقول بأن السيارة تهرب وأنها تحتاج إلى كذا وكذا وصيانة مكلفة ثم يكسر السومة بشكل مفاجئ من منطلق «تبيع ب 20 يا رجال».. طبعا الشخص المتردد أو الضعيف قد يتقبل لأنه يخشى لو خرج من السوق وأصلح العيوب من أن تكلفتها ستقارب الفارق خاصة عندما يخيفه بمشكلة القير أو المكينة أو فكها وتركيبها قد تصل تكلفتها لنحو أربعة آلاف ريال رغم أن كل الإشكال مجرد تهريب بسيط يمكن حله بسهولة. المثير أن بعض أفكارهم لم تتغير منذ زيارتي في 2001.. فلا يزال منظر الشريطي الذي يصحب ابنه الشاب يتكرر، فهو يحضر شابا «لا أدري فعلا هو ابنه أو لا» عمره غالبا دون ال 20 ثم يحاول إقناعك بالتخفيض وأن السيارة لابنه وأنه بالكاد يملك مبلغ السومة الفلانية ولا يمكنه أن يزيد.. ويجعل ابنه يجرب السيارة ويجري اتصالات بأصدقائه لكسب تعاطفك وميلك نحوه وتأكيدهم بأنهم ليسوا «شريطية» وأن الولد لديه دراسة ويريدون شراء السيارة بأسرع وقت وبالسومة التي يريدونها. وأيضا تقليل مستوى سيارتك في عينك بكل الطرق.. فلو كانت أمريكية مثلا سيقول «الأمريكي ما يعمر.. زين بتجيب لك 15».. أو يقول لك «سيارتك لونها أسود وهو لون غير مطلوب في المستعمل.. اقبل أي سومة وبع» وهكذا.. لو كنت تملك ذرة شك في سيارتك فهم سيزيدونها ويحسسونك بأن أفضل طريقة لعدم الخسارة هي بيعها اليوم وليس غدا، والمشكلة الكبرى أنهم يملكون ذاكرة قوية فهم سيعرفون أنك دخلت بها قبل يومين وستتفاجأ بأن بعضهم يحفظ التفاصيل وأن فلانا جربها ووجد فيها مشكلة.. وهكذا حتى تتفاجأ بأنك تدور الحراج لوحدك؛ لأن الشريطية تركوا السيارة للناس العاديين الذين يؤثر عليهم كلام وتعليقات الشريطية، وبعضهم سيقول لو أن السيارة نظيفة وممتازة لما تركها الشريطية هكذا «وهذا تعليق وصلني فعلا». كل ما أقوله: لا تدخل الحراج إلا في حال البيع الجدي ولا تكرر غلطتي، في حال رغبتك في معرفة كم تبلغ قيمة سيارتك يمكنك دخول المعارض والتجول فيها والبحث عن موديل سيارتك ومعرفة الأسعار لتضع لك قيمة كهدف تسعى للوصول إليه، لكن لو دخلت يوما وعدت مرتين أو ثلاث سيساهم ذلك في تخفيض قيمة السومة بشكل أو بآخر مدونة: سوالف أحمد http: //www.ahmad.ws/blog/