كم منا من يعيش وهو على قناعات ثابتة راسخة قوية، ظنا منه أنه لا شيء يستطيع أن يبدلها أو يغيرها أو يزحزحها. وتمضي به الأيام وهو على قناعاته.. يعيشها ويتعايشها.. على اعتبار أن ما يؤمن به هو الصحيح والحق المبين الذي لن يقبل فيه نقاشا أو فصالا. ومهما واجهتك من صعوبات واعتراضات أو تحديات لن تقبل أن تغير قناعاتك لأنها إيمانك ويقينك، وهي محصول ما حصدته طوال الأعوام الماضية من تجارب وخبرات. لكن مصابك الجلل يتبدى عندما يختل عندك قانون من قوانينك وتصبح مؤمنا بما كنت تناقضه وترفضه وتعترض عليه، حتى يغدو ذلك القانون الذي كنت أول المهاجمين له هو قانونك المفضل. فنرى ذاك الذي كان ينتقد بالعنصرية نجده من أكبر العنصريين في الكون. حتى إنه ربما يغير نمط حياته ومكانه وأسلوب معيشته لأن هناك شيئا من عنصريته يشاركه مقامه! وقد نرى ذاك الذي لا يؤمن بالحروب أصبح فجأة وبضربة عصا سحرية محاربا صلبا عتيدا قويا لا يهزمه عقل ولا منطق! وذاك الذي لم يكن ينطق إلا بأقوال صارمة وبليغة، فجأة وفي غفلة من يقينه أصبح لا يتمتم سوى بكلمات ليس لها معان أو جمل تافهة. فأين الغرابة في زماننا المتناقض العجيب.. أين الغرابة في زماننا الذي أصبح الحق فيه باطلا والباطل حقا وأصبح الصدق كذبا والكذب صدقا؟ أين الغرابة عندما نكون في زمن يغلفه التناقض والجهل بالحقائق وظلام النوايا؟ فلن أستغرب إن وقفت على رأس جبل وصرخت بأعلى صوتك صدقا، فيجيبك الصدى كذبا! أو صرخت حقا، فيجيبك باطلا! لن أستغرب ما دامت فئة من مجتمعنا يغلفها الكره والبغض والضغينة.. فحوارنا وأسلوب نقاشنا قمع وتعسف وضرب. لا أعلم هل أنا التي ترى العالم من خلال نظارة سوداء أم العالم أصبح يغلفه السواد من معتقدات ومبادئ لم ينزل فيها من الله سلطان.