«كم هي الدنيا صغيرة» لم أدرك معنى هذه الجملة حتى اضطررت إلى الاستعانة بمن يقلني في مشاويري المتعددة، أي سائق لقضاء حوائجي اليومية الضرورية، فألزمني ظرفي أن أتنقل كل يوم بين سائق وآخر، فإن كان هذا السائق غير متفرغ بحكم أنه مع زبونه تماثلني بالاحتياج وهو مرتبط معها بعدة مشاوير، وتبدأ رحلة البحث عن سائق متفرغ. وحتى يسعفني حظي بسائق أبدأ استعدادي للخروج معه، فيأتي الفارس الهمام ليقلني لمشواري وهنا يكمن المثل، وهنا يتجلى واضحا المعنى الحقيقي عندما نكرر «كم هي الدنيا صغيرة». فمن خلال تنقلاتي أدركت أننا نساء نرفس النعمة بأرجلنا عندما طالبنا بالقيادة لا أعلم لِم هذا الإصرار، فلو كل نساء بلدي أدركن النعمة التي وهبنا الخالق إياها لعلموا كم نحن محسودات!. وكيف لا.. ونحن لنا في كل يوم ثقافة جديدة فيوما يقلني شخص ويسترسل في الحديث مشكورا لكي يسهل عليه طول الطريق ويبدأ بالحديث عن بلده وعن أطفاله وعن عاداتهم وتقاليدهم وأنا تارة في تركيز وتارة في حالة سخط داخلي من حالة الإزعاج المقيت المفروض علي إجبارا ويبدأ مشوار الثقافة وتتعدد الجنسيات وأنا مكرهة على أن أستمع بتركيز وصمت، حتى أصبحت موسوعة علمية تمشي على قدمين، وثقافة عريضة عن نصف أقطار الكرة الأرضية، ناهيك عن الثقافة المحلية.. ولا أعلم لماذا يتهمون شبابنا بعدم قدرتهم على التحاور أو النقاش الهادف أو البناء لأن كل مواضيعهم التي كانت تمرني كلها هادفة. أدركت عظمة منعي من القيادة عندما اضطررت أن أتم عملا لي يبعد عن منزلي مسافة عشر دقائق مع الثقافة الإجبارية «السائق»، وكنت ملزمة أن أستمع له وهو آسيوي ونصف حديثه لا أفهمه فتهت في غابات أفكاري وأنا أتساءل: لماذا بنات بلدي يطالبن بالقيادة ونحن نجد من يسلينا ويهون علينا مسافة الطريق بثقافته وإزعاجه الإجباري وموسيقاه المقيتة، بينما لو كنت أقود مركبتي «هكذا تقودني أفكاري الخبيثة» لكنت الآن في حالة ملل، ولا أجد من يسليني في مشواري وأحتار في اختيار الأغنية المناسبة، فلا أعلم لماذا بنات بلدي يصررن على المطالبة بالقيادة ويحرمن أنفسهن من الثقافات الإجبارية.