ناتالي بروتمان تبحث دائما عن أدوار مذهلة تضع مجهرا على جانب صغير مهمل، لكنه أحيانا يكون المفتاح الضائع منا أو فينا. ناتالي أبدعت كما أبدع فيلم «البجعة السوداء» في رسم الخط الذي نحتاج لاكتشاف الرقصة.. هي الحياة التي نعيشها فتتقاسمنا البجعات.. من سيقف في طريقنا ليحول بيننا وبين النجاح؟ لا أحد سوانا يعرف كيف نتغلب على كل الحياة، وننتفض على كل رقابة مهما كانت حسنة النية، نتجاوز تشبثنا بنماذج نرى الكمال فيها، ونلتقط فتاتها المتساقط كتمائم للحظ، تنسينا تلوين الحياة بما نحب ونشتهي ونتمنى. حينما نداري عيوبنا التي تلقي عبئا كبيرا داخل أنفسنا كأثقال نحشوها في جيوب أرواحنا؛ لتغوص فينا وتختفي عن سطحنا المرئي, وتعيقنا عن أن نعيش بكل التفاصيل المثيرة والغريبة والإنسانية. ببساطة، الكمال ليس أن نظهر جانبنا الأبيض فقط، حتى الأسود فينا يجب أن نخرجه.. النقطة السوداء لو لم تعرف لها طريقا ربما تتملكنا وتتلبسنا لتخدش أرواحنا وتجرحها، فنقول بعدها «هل الأمر صعب لهذا الحد؟» أو «لماذا لا يكون سهلا فحسب؟»، ثم ننشغل بعدها بطرح الأسئلة بشكل غريب، وتصبح شيئا ملحا نجده ريشا نابتا على أكتافنا أو جرحنا نحكه حتى الإدماء. ليس من الضرورة أن نكون كاملين ببياضنا، فنحن نكون كمالنا حتى في الأجزاء التي تمثل السواد فينا.. الكمال هو نتيجة لتمازج كل قطرة منا، مخاوفنا، آلامنا، أحزاننا، ضحكاتنا، ابتسامتنا الصغيرة، طيبتنا، عنفواننا، شراستنا، رقتنا. في داخل كل منا بجعة بيضاء وبجعة سوداء، ونحن لسنا بياضا ناصعا ولن نلمع إن تصنعناه يوما، ولن ننجح إن أخفينا أرواحنا. النقص داخلنا لا يتراكم ليعيقنا، بل نحن من نربط أيدينا وأرجلنا عن أن نعيش. طلب الكمال إعاقة تامة وتكبيل لخطواتنا, لا نقتنص الكمال بالتمني.. ولا يأتي هذا الكمال أيضا بالعمل الكثير والقسوة على النفس.. هو بسيط حينما نقبل ذواتنا من الداخل.. كل هفواتنا وعيوبنا ونواقصنا. مشاعل العمري