يمثل المتقاعدون شريحة مهمة في المجتمع، اتسعت بشكل كبير بفضل المغادرة الطوعية التي أعفت عددا مهما من وظائفهم ومناصبهم، وأصبحنا نرى متقاعدين في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم، لا يعرفون كيف يقضون أوقاتهم الفارغة وهم ما زالوا في سن العمل والعطاء، وإذا كان بعضهم استطاع العثور على عمل مواز فإن الأغلبية الساحقة لا تجد ما تملأ به فراغها غير لعب الورق مع فناجين القهوة والشاي في المقاهي والاستراحات، لدرجة أن المتقاعد يشيخ باكرا ويصاب بشتى الأمراض التي سببها نقص الحركة وكثرة الملل. بعضهم يرون أن أفضل طريقة للخروج من هذا الجو الكئيب هو تأسيس عمل خاص يشغل الوقت ويدر ربحا، فيعمدون إلى استقطاع جزء من مدخراتهم أو أخذ قرض لتمويل مشروعهم. وهنا تبدأ المشكلة. كون المتقاعد كان موظفا حكوميا أو في قطاع خاص لأعوام طويلة، فقد تعود خلال هذه المدة على الانضباط وفق الأنظمة والقوانين التي تحدد سير العمل. هذه الانضباطية مفيدة إذا أخذ منها ما يحتاج إليه العمل الحر مثل الالتزام بالوقت والجودة في العمل، لكن في الوقت نفسه يجب أن يخرج من دائرة أن النجاح يأتي بخطوات محددة مسبقا ويتبنى فكرا جديدا هو أن الفرص لا تأتي بل يجب أن يسعى لها ويجتهد في الحصول عليها وهذا لا يتأتى إلا عندما يدرب نفسه على أن يكون ذهنه حاضرا باستمرار لاختيار أفضل الفرص التي تناسب مشروعه ومقدرته. هذا التغيير في طريقة العمل يحتاج إلى وقت وجهد وتدريب على الجو الجديد ليستطيع التفاعل مع المتغيرات الكثيرة بصبر وجلد. متى ما استطاع المتقاعد الخروج من انضباطية الموظف إلى انضباطية رجل الأعمال، أصبحت خبرته التراكمية السابقة كنزا يستفيد منه لإنجاح مشروعه. * استشاري في الأعمال الصغيرة والمتوسطة والشركات العائلية.