توصل باحث من جامعة «لايبزج» الألمانية في دراسة أجراها إلى النتيجة التالية «إن جلوس شخصين على مقعدين متجاورين في مناسبة، هو الشرارة الأولى لصداقة متوقعة»! الحقيقة أتمنى ألا يكون الباحث قد تكلف في هذه الدراسة حتى خرج لنا بهذه النتيجة المهمة! طيب.. سأسلم أمري إلى الله وأقبل نتيجة هذه الدراسة بشرط ألا تكون تلك المقاعد هي مقاعد الطائرة, ذلك المكان الذي أحرص وأؤكد وأستلطف موظف الحجز قبل الرحلة أن يختار لي مقعدا بجانب النافذة ليس من أجل المناظر الطبيعية، لا والله فأكثر ما ستراه في الرحلات الداخلية هي صحراء مقفرة لا تحوي شجرا ولا بشرا! ولكن من أجل أن تقل احتمالية أن يكون جاري في المقعد من ذلك النوع الذي سيجعلني أتحول فقط إلى مستمع حين يتحول هو إلى مذياع! إلا أن الموظف يعتذر بأنها «فل» ثم يعاقبني بحشري في منتصف المقاعد الخمسة الوسطى لأصبح بين جارين في اليمين ومثلهما على اليسار، وكل منهم سيسرد لي سيرته الذاتية منذ ولدته أمه حتى جلوسه الميمون بجانب المغلوب على أمره أنا! ولأن سوء الطالع يلازمني كثيرا في مثل تلك الأماكن فقد كان جاري المباشر في إحدى تلك الرحلات أحد المهتمين بالبيئة, وما إن جلس جواري حتى بدأ بإلقاء محاضرة طويلة وعريضة عن ضرورة المحافظة على البيئة، وكيف أن مستويات التلوث قد ازدادت بشكل فظيع وأن ثقب الأوزون قد اتسع كثيرا في الأعوام الأخيرة، ما ينذر بكارثة بيئية! ولكن يبدو أن جاري قد انفعل بشكل كبير فبدأ بالتهجم علي وأخذ يشتم ويسب كل من يستخدم البيئة استخداما جائرا، ثم ارتفعت نبرة صوته أكثر وأكثر وأخذ يرغي ويزبد وهو يرمقني بعينيه الحادتين وكأنني أنا من خرق طبقة الأوزون, حتى جاء الفرج عندما طلب منا المضيف مغادرة الطائرة! ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، اكتشفتُ طريقة فعالة لجعل جارك في الطائرة يلتزم الصمت طوال الرحلة، هذا إذا لم يفكر جديا بالانتقال إلى مقعد آخر, فعند سؤاله لك في بداية الرحلة عن اسمك وجهة عملك، فاذكر له اسمك ثم اقترب من أذنه بخفة وقل «محسوبك شغال في المباحث»!