انتبه أن تتجاوز طرف أذنك فلا يصلها الماء.. وانتبه أن يبقى أسفل الذقن جافا حين الوضوء.. وانتبه في قراءتك فقد تتجاوز الفاتحة ثم لا تكون لك صلاة.. وقد تخطئ فيها فتبطل صلاتك أيضا.. وقد تتمضمض فيدخل لجوفك شيء.. أو ربما سقط بعض شعرك أو ضفرك وأنت حاج فتأثم.. وربما.. وربما. تحذيرات اجتماعية لا تنتهي.. تهيؤ لجو عال من الوسوسة في العبادات والصلاة والصوم الحج والوضوء، فهي تحذيرات تعتقد أن الاحتياط أن تزيد في الماء والصلاة والتحوط لأجل إكمال العبادات وإتمامها وتنسى أن الزيادة في الدين ربما تكون أشد ثقلا وأكثر ضررا من النقص فيه. ربما يبرر المثل العامي تلك الزيادات الكثيرة والتحوطات بمثل «الزود ولا النقص» بمعنى أن فعل الزيادة والتحوط أفضل من النقصان فيه.. وهذا مثل لا ينبغي أن يكون قاعدة اجتماعية فضلا عن أن يكون قاعدة شرعية معتبرة أو دليلا رشيدا. المجتمع الذي يكثر من هذه التحوطات والتنبيهات والإرشادات المتكلفة والتنطع في التفاصيل يصنع جوا ملائما للموسوسين، ويهيئ الفرص المناسبة لخلق مجموعات من الموسوسين في العبادات الذين ينهكون العبادات ويهلكونها إعادة وتكميلا، فلا أقاموا مقاصد تلك العبادات وأركانها.. ولا تأملوا فيها فأنالتهم السعادة الروحية والمعنوية. ومع كل تلك التحوطات المتلبسة بتفاصيل الحركات والسكنات في العبادات، هناك توسع غير متكافئ في عدم الاهتمام بالدور الروحي في أسرار تلك العبادات ومعانيها الروحية ودورها في مكافحة شياطين النفس وأدوائها. لطالما صلى بجانبي بعض المتحوطين الذين يعيدون كل كلمة فيرفعون أصواتهم كل مرة ثم لا يرضون حتى يفعلوها مرارا ثم يكرروا كل ذلك. وربما بعد ذلك كله قاموا فأعادوا الصلاة ظانين بطلان صلاتهم الأولى. كل تلك الوساوس تهريجات شيطانية ساعد عليها الخطاب التحوطي والتهويلي المهووس بالتحذيرات.