النوم آية من آيات الله الدالة على قدرته، فقد جعله راحة وسياحة لنا ليلا ونهارا. قال تعالى: «ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون» الروم: 23. أما أن النوم راحة فهو أمر مفهوم؛ أما أنه سياحة وذلك لما في النوم من أحلام، فالحلم من وجهة نفسية رحلة سياحية مثيرة، نجول بها في عوالم غريبة لطيفة خفية، رحلة لا يقيدها أي قانون معروف، تفرحنا أو تحزننا، تمتعنا أو ترعبنا، تختلط فيها كل المشاعر، وتمتلئ برموز مكثفة تحتار بها عقولنا. الحلم فسحة لنا لكي نفرغ ما حملناه من تعب اليوم الحاضر وهمومه، ممزوجة مع صراعات الماضي وآلامه، فيها نكهة المستقبل؛ آماله ومخاوفه. قد يضطرب النوم كما ونوعا «كما: أي أن عدد ساعات النوم قليلة، أما نوعا: أي أن النوم لم يحقق الراحة لك»، فيخسر الإنسان الاستمتاع بالنوم الهادئ المريح الكافي. قد يكون اضطراب النوم لأسباب عضوية كتناذر الساق غير المريحة، فرط نشاط الغدة الدرقية، تناذر انقطاع التنفس أثناء النوم، تأثير جانبي لبعض الأدوية.. إلخ، أو لأسباب نفسية كالاكتئاب، القلق النفسي، الهوس... إلخ، فيدعى اضطراب النوم الثانوي Secondary Sleep disorder. أو أن يكون أوليا لا شيء يبرره فيدعى اضطراب النوم الأولي Primary sleep disorder. وليس بالدواء المنوم Tranquilizer فقط يستعيد النوم حيويته وصحته ودوره في حياة ابن آدم، فلابد من تقصي السبب المؤدي لاضطراب النوم إن وجد وعلاجه، مع تقصي عادات وسلوك الفرد عند النوم وتصحيحها، لحماية الشخص من مشكلات إساءة استعمال الأدوية المنومة. المبادئ الأساسية للصحة النومية إذا كنت تشعر بأن مزاجك في الصباح نكدا متعكرا، فقد يكون هذا بسبب اضطراب نومك كما ونوعا. إن ضغوطات العمل ومسؤوليات المنزل والعناية بالأطفال والمخاوف المالية والعلاقات الاجتماعية المضطربة والحالة الصحية المرضية قد تجعل النوم معاندا؛ يهرب لما تريده، ويأتي لما لا تريد، وقد تقل ساعاته وتتدنى نوعيته. قد يكون من الصعب السيطرة أو التخلص من كل هذه العوامل التي تواجهها من أجل تحسين نومك كما ونوعا، ولكنك تستطيع خلق بيئة وعادات تكيفية جديدة تحقق لك ليلية هانئة مريحة. إذا كان لديك اضطراب في النوم، فإليك الاقتراحات التالية لتتبعها: -1 المبدأ الأول الذهبي: «دع النوم يطلبك، وتدلل عليه»: النوم حاجة فسيولوجية لا يمكن طلبها مهما استجديتها، فهو كالجوع؛ فلا يمكن أن تطلب من جسدك الجوع بقولك «سأجوع!» ولذلك اتبع التعليمات التالية لتطبيق هذا المبدأ: * لا تذهب إلى الفراش إلا عند التعب، والنوم يطلبك حثيثا. ثم أعط جسدك فرصة محددة الزمن لكي ينام «15 إلى 20 دقيقة فقط»، وإن مضيت المدة ولما تنم فانهض من فراشك واعمد إلى نشاط هادئ بديل عن النوم، كقراءة كتاب أو مقالات تخاطب الروح أو العاطفة أكثر من العقل، أو الاستماع إلى القرآن أو صلاة الليل أو مشاهدة برنامج هادئ على التليفزيون «وثائقي، حواري، عن الطبيعة..». ارجع إلى فراشك لما تشعر بالتعب. لا تجاهد نفسك لكي تنام، فليس من المفيد المجاهدة لساعة أو ساعتين على الفراش، هذا يتعبك ويشعرك بالإحباط الشديد والتوتر ويمنع عنك النوم. لا تجعل من قلة نومك في الليلة الماضية حدثا كارثيا يؤرق نهارك، فالله تعالى مدح في كتابه قليلي النوم للتعبد. قال تعالى «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون» الذاريات: 17. -2 التحضير للنوم: * تحضير غرفة النوم: اجعل من غرفة نومك مثالية للنوم على الشكل التالي: عدل الحرارة والرطوبة ومستوى الضجيج والإضاءة إلى المستوى المفضل لديك. الضوء الخافت خلال الليل أمر مقبول للذين يشعرون بالخوف من الغرفة المظلمة. درجة الحرارة في غرفة النوم خلال الليل يجب أن تكون أقل أو يساوي 24 درجة مئوية. استعمل الوسائل المساعدة التالية لتوفير بيئة مناسبة لحاجاتك: ستارة نافذة لتعتيم الضوء الخارجي، أغطية للعينين أو سدادات للأذنين، مخدات إضافية، مروحة، معدل رطوبة. اختر فراش ووسادة مريحة لك، وهي أمر شخصي فردي يختلف ما بين الناس. وإذا كان السرير ثنائيا؛ فتأكد أنها توجد مساحة كافية للشخصين. إن الأطفال والحيوانات المنزلية غالبا ما تسبب الفوضى والضوضاء في الغرفة. لا تجعل غرفة النوم مكانا للعقاب أو اللعب مع الأطفال. استخدم سريرك للنوم فقط والعلاقة الخاصة مع الزوجة، تجنب الدراسة أو القراءة أو الاستماع للموسيقى أو مشاهدة التليفزيون وغيره وأنت على السرير. والتليفزيون يجب أن يكون خارج غرفة نومك. * تحضير الجسد للنوم: اذهب إلى الفراش واستيقظ في الوقت نفسه كل ليلة، حتى في أوقات العطلة. إن برنامج النوم والاستيقاظ المنتظم يساعد ويقوي دورة النوم - واليقظة الجسدية، مما يساعدك لتنام بشكل أفضل في كل ليلة. النوم هو ليلا بشكل أساسي، قال تعالى: «وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا» الفرقان: 47. والغفوة النهارية تسرق من ساعات النوم ليلا، فحاول أن تكون القيلولة قصيرة «نصف ساعة المفضل، وساعة على الأكثر» ويجب أن تكون في فترة ما بعد الظهيرة الباكرة أو فترة منتصف الظهيرة. أما إذا كان لديك أرق فتجنب القيلولة خلال النهار بالمطلق. إذا كان عملك ليلا، فأبق الستارة مغلقة لمنع ضوء الشمس من الدخول ما يعدل من ساعة الجسد البيولوجية ولا تقطع نومك. إذا كان لديك عمل نهاري وتنام ليلا ولديك مشكلة في الاستيقاظ افتح الستارة وأعط الفرصة لأشعة الشمس لتساعدك على الاستيقاظ. النشاط الفيزيائي والنوم: مارس التمارين الرياضية بشكل منتظم، وبخاصة تمارين الأيروبيك aerobic exercise أو المشي نصف ساعة يوميا، فإنها تساعد على النوم بشكل سهل وتجعله أكثر عمقا. لا تمارس التمارين خلال خمس ساعات الأخيرة قبل النوم أو ثلاث ساعات على الأقل، لكيلا ينشط الجسد فيصعب النوم. امض وقتا خارج المنزل كل يوم، لأن التعرض لضوء الشمس يساعد على الضبط الدقيق لساعتك البيولوجية. * الغذاء والنوم: تناول وجبات منتظمة، ولا تذهب إلى السرير وأنت جائع، الجأ إلى وجبة بسيطة قبل ساعتين من وقت النوم. لا تأكل كميات كبيرة من الطعام قبل وقت النوم كوجبة ثقيلة قبل ساعة من الذهاب إلى النوم. إذا كانت لديك حرقة خلف القص heartburn أو استرجاع للطعام reflux ، تجنب البهارات أو الطعام الدسم الذي قد يحرمك من النوم المريح. قلل من كميات السوائل قبل النوم، لأن الإكثار منها قد يؤدي إلى الاستيقاظ بشكل متكرر خلال الليل للدخول للحمام. احرص على نظافة أسنانك وتفريشها قبل النوم. تجنب الكافيين «القهوة والشاي والشوكولا وبعض المشروبات الغازية» قبل نحو ثماني ساعات من موعد النوم المقرر، وهذا لا يعني أن الجسم يخزن الكافيين لثماني ساعات، لكن يحتاج الجسم هذه الساعات ليتخلص منها ومن تأثيراتها المنشطة. لا تتناول المشروبات الكحولية، لأنها تجعل نومك متقطعا. كما أن التدخين يسيء إلى النوم، لأن أعراض الانسحاب من التدخين تظهر ليلا فيتأثر النوم. لا تدخن قبل ساعة على الأقل قبل الذهاب للنوم «والأفضل تجنب التدخين نهائيا». * تحضير النفس للنوم: اجعل 30 دقيقة أو 60 دقيقة قبل الذهاب إلى النوم فترة هادئة، بأن يكون لك روتين يومي للاسترخاء والراحة والهدوء عند وقت النوم، اعمد إلى الأشياء ذاتها كل ليلة لتخبر جسدك أن الوقت حان ليستريح وينام، كالحمام أو الدوش الساخن، قراءة كتاب، الاستماع لموسيقى ناعمة. وهذا يجعل جسمك أوعقلك يتباطأ نشاطه بشكل كاف لكي تغفو. ولا تنس أن تعمل نشاطات الاسترخاء تحت إنارة مخفضة للانتقال بسلاسة من حالة اليقظة إلى حالة النوم. * تحضير الروح للنوم: حضر روحك للقاء الله جل وعلا، ففي النوم تلتقي الروح مع بارئها، وتحلق في فضائه. قال تعالى: «وهو الذي يتوفاكم بالليل..» الأنعام: 60. فاتبع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في النوم من حيث: الهيئة: النوم على الجنب الأيمن وجعل اليد اليمنى تحت الخد، النوم على وضوء، وأداء صلاة الوتر قبل النوم. الذكر الوارد عند الإيواء للسرير ومنه: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات - قراءة آية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة - التكبير والتسبيح والتحميد ، والدعاء: «باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» البخاري. يذكر أنه لو حسبنا الزمن الذي يقضيه المسلم قبل النوم بالذكر الشرعي الوارد، لوجدناها نحو 15 دقيقة، وهي الزمن الكافي للدخول في النوم أي ما يدعى ب Sleep Latency ، والتي كما ذكرنا يجب ألا تتجاوز 15 إلى 20 دقيقة ولا ينصح بالمجاهدة وطلب النوم أكثر من هذه لمدة. فما أوصى به الهدي النبوي يفيد في الاستفادة من هذه الفترة في التحضير للنوم روحيا ونفسيا وبالتالي جسديا. * أما بالنسبة إلى المنومات الدوائية: اجعل من الحبوب المنومة الملجأ الأخير، ولا تأخذ أيا منها إلا بعد استشارة الطبيب. والمعيار لمراجعة الطبيب هو تكرر مشكلة النوم ثلاث مرات في الأسبوع خلال شهر. د. ملهم زهير الحراكي اختصاصي الطب النفسي والعلاج النفسي للأطفال والمراهقين