تحولت عملية الزواج العرفي لسياح عرب، من بينهم سعوديون، بمصريات إلى ظاهرة خطيرة بدرجة جعلتها بندا دائما في اجتماعات اللجنة القنصلية المشتركة بين البلدين، فيما دفعت المشكلات العديدة التي تعرض لها سياح سعوديون في المغرب وسورية ولبنان بسبب الزواج العرفي إلى البحث عن بلدان أخرى كان على رأسها مصر، في ظل فتاوى دينية أجازت الزواج العرفي، وكذلك بعض الاجتهادات في تمرير ما يسمى ب« زواج المسفار»، حيث يتخذ السعودي زوجة له في البلد التي يسافر إليها لمدة وجيزة تجنبا للفتنة. وأمام إغراءات عديدة تقبل بعض جميلات مصر، هاويات الثراء السريع الزواج عرفيا من السعوديين، وينشط خلال موسم الصيف سماسرة الزواج العرفي من الخادمات وسائقي التاكسي وحارسي العمارات التي بها وحدات مفروشة بحثا عن الزبائن لإتمام مثل هذه الزيجات التي تحولت إلى «بزنس» من نوع فريد تتربح منه بعض الأطراف الوسيطة. وتحت شعار المقولة المصرية الشهيرة « الرزق يحب الخفية» يجوب هؤلاء السماسرة الفنادق والشقق المفروشة في المناطق الراقية التي يقطنها سياح عرب لعقد هذه الصفقات. كوميديا سوداء وتحفل قصص الزواج العرفي لسعوديين في مصر بحكايات على طريقة أفلام الكوميديا السوداء، فكثير من السياح السعوديين يقعون ضحايا النصب والاحتيال من سماسرة الزواج العرفي كتزويج نساء على ذمة أزواج آخرين، وهاربات من أزواجهن، خاصة أن تلك الزيجات تتم دون علم أو موافقة الجهات الرسمية، وكل ما يثبتها مجرد ورقة عرفية بين العروسين بحضور الشاهدين وولي الأمر، وفي الغالب يكونون «سماسرة» ويقومون بتزويج شابة من رجل آخر، وهي في عصمة زوج هارب أو انقطع عن الزيارة، ومن تلك الطرائف عودة أحد المتزوجين الخليجيين من السفر إلى المسكن الذي استأجره لزوجته العرفية، فوجدها تزوجت من شخص آخر منذ أشهر بحجة أن الزوج هرب وترك طفلا دون إرسال مصروفات شهرية له وأمه. عروض مغرية و في المقابل هناك حالات نصب واحتيال من سعوديين على شابات مصريات بالعروض المغرية كتقديم عدد من الأساور الذهبية تصل إلى 30 ألف جنيه كمقدم صداق حسب حالة العروس وادعاء بعضهم أنه يمتلك شقة فاخرة في منطقة راقية يقيم فيها شهر العسل، وأحيانا تكتشف العروس المخدوعة أنها تعيش في شقة بالإيجار وأن عليها دفع المتأخرات وإلا نالت الطرد والفضيحة من مالك العقار، وهناك سعوديون يسافرون فجأة بحجة متطلبات العمل ويعطي الزوج أرقام هواتف وعنوان عمله للعروس وعندما تتصل تجد أن رقم الجوال خارج الخدمة. ويحفل الشارع المصري بحكايات مثيرة عن زواج السعوديين بمصريات في منطقة الحوامدية جنوب العاصمة، حيث يعرض والد الفتاة أو أمها على السمسار رغبتهم في تزويج ابنتهم من سعودي أو كويتي أو أي من أثرياء الخليج، ويوفرون له صورة ضوئية للعروس، وغالبا ما تكون الفتاة بيضاء وذات مواصفات معينة كالشعر الطويل، أو خلافه ما يرضي الأزواج، حيث إن تلك المواصفات تعد المفضلة لراغبي «الزواج الطائر» من السياح السعوديين، وبعد عرض الصور التي غالبا ما تكون بملابس متحررة نسبيا، وفي حالة الموافقة المبدئية على إتمام الزيجة يتم الاتفاق بين السمسار والراغب في الزواج على «المعلوم» وهو مبلغ من المال لا يقل عن 15 ألف جنيه «نحو 10 آلاف ريال»، ويزيد حسب جمال الفتاة، ومدى تلهف الزبون على الزواج، وإذا تمت الموافقة يلتزم العريس بدفع مبلغ كبير لأسرة الفتاة تحت زعم أنه «مهر» ثم تبدأ بعد ذلك مهام المحامين والمأذونين الشرعيين ذوي الخبرة الطويلة في تدوين عقود الزواج العرفي. وبعد فترة قد لا تتجاوز في كثير من الأحيان 15 يوما يسافر الزوج دون رفقة الزوجة ويكون قبلها قد دون «ورقة طلاق»، وسلمها للمحامي أو المأذون الذي دون عقد الزواج العرفي لتنهي علاقة الزوجية وتضطر «العروس المطلقة» إلى عملية إجهاض عند طبيب متخصص في إجراء مثل هذه العمليات سرا، لأنها مخالفة قانونا، فيما تحرص بعض العرائس على تناول حبوب منع الحمل قبل الزفاف من باب الحيطة والحذر. ولجأت زوجات كثيرات منهن واللواتي طلقن بعد أقل من شهر إلى طبيب متخصص فيما يعرف بعمليات الترقيع، بحثا عن فرصة زواج جديدة من خليجي آخر أو مصري «مخدوع» في حالة قناعة تلك الفتاة بالريالات والهدايا التي جمعتها من الزواج الأول غير المعلوم، وغالبا ما يكون الزوج الجديد من خارج المنطقة نظرا إلى انتشار قصة زواج تلك العروس من قبل بسعودي. قصص وروايات وخلال عملية إتمام تلك الزيجات يتم اختلاق الأكاذيب من الطرفين ويحكي بعض من أهالي منطقة الحوامدية قصصا مثيرة عن سعوديين تزوجوا من مصريات فبعضهم زعم أن لديه مصانع وشركات بالمملكة، وأنه من الشخصيات المرموقة ثم يتضح بعد الزواج أنه « يا مولاي كما خلقتني». وأحيانا يزعم بعض الراغبين في الزواج أنه غير متزوج وأنه سيتزوج من المصرية بعقد عرفي غير رسمي لحين إنهاء بعض الأعمال في المملكة، ثم سيعلن الزواج بشكل رسمي في وقت لاحق، ويتضح بعد فترة وجيزة أن الزوج كاذب ويرفض استمرار هذه الزيجة رغم أن العروس قد تكون حملت في هذه الفترة القصيرة، خاصة أن بعض الأسر ترى أن الإنجاب هو الرابط القوي لضمان استمرار الزيجة وعدم هروب الزوج إلى بلده، لكن أسرا عديدة فوجئت بأنه بعد 15 يوما من الزواج العرفي يسافر الزوج دون علم الزوجة ولا يعود ثانية دون حتى أن يطلقها كما أن هناك حالات كذب متنوعة حسب الموقف كأن يزعم الزوج أنه من أسرة عريقة في المملكة ومن الصعب الزواج دون علمهم ويطلب عقد الزواج عرفيا لحين إقناع أسرته بالزواج من غير سعودية لكن بعد الزواج بأيام قليلة يبدأ ذلك الزوج في المناورة ويرفض إعلان الزواج رسميا ما يضطر أسرتها إلى قبول الوضع خشية المشكلات. ورغم أن تلك الحالات تتزايد خاصة مع ارتفاع سعر صرف الريال أمام الجنيه وتفاقم الوضع الاقتصادي لمعظم الأسر المصرية إلا أن الظاهرة بكل المقاييس محدودة ولا تمس أصالة الأسرة المصرية وعراقتها حيث ترفض الأغلبية مثل هذه «الزيجات التجارية» وتشترط على الخليجي الراغب في الزواج إعلان الزواج رسميا وتضع عليه شروطا ربما تكون أشد قسوة من التي توضع للمصريين الراغبين في الزواج من بنات تلك الأسر، وأحيانا كثيرة يضطر السعوديون الراغبون في زواج شرعي لقبول هذه الشروط لكن هواة «المتعة الحرام» تحت ستار الزواج التجاري يهربون ويبحثون عن الزيجة الأسهل وهو ما يجعل بعض هؤلاء السعوديين لا يتحركون إلا من خلال «سمسار» تجنبا لمواقف حرجة لهم وربما قاسية لو طرقوا باب فتاة من الأسر الأصيلة. ضد الأخلاق وفي مقابلات مع بعض السياح السعوديين لمصر أكدوا رفضهم الشديد لمثل هذه الزيجات وأنها حالات فردية ولا تعكس المعدن الأصيل للأسر السعودية والمصرية التي ترفض المتاجرة بالزواج، مؤكدين اعتزازهم الشديد بالأسرة المصرية وأن زيارتهم لمصر بغرض السياحة والاصطياف وليس لارتكاب جرائم لا أخلاقية تحت ستار الزواج وأن تلك الأعمال يحرمها الشرع الحنيف الذي جعل من الزواج قداسة خاصة لإنجاب الذرية الصالحة كونه سكنا ومودة كما وصفه القرآن الكريم. قضايا إثبات نسب وتؤدي مثل هذه الزيجات إلى مشكلات عديدة حسب تقرير أعده مركز قضايا المرأة بالقاهرة فإن الأبناء هم ضحية ذلك الزواج، وتعد أولى المشكلات الناجمة عن زواج المصريات من العرب غير الجادين هي صعوبة تعليم الأبناء من أب عربي في مدارس مصرية بعد حيث يعامل هؤلاء الأبناء في مصر على أنهم أجانب ما يلزم إلحاقهم بمدارس خاصة ذات مصروفات مرتفعة ما عدا أبناء الأرامل والمطلقات ما يؤدي لتسرب بعض الأبناء عن التعليم وانضمام بعضهم إلى ما يسمى «أطفال الشوارع»، وقد يتحول بعض هؤلاء الأطفال إلى مجرمين بالفطرة فيستغلهم أهل السوء في ترويج المخدرات وبعض الأعمال القذرة لأنهم في النهاية أمام قانون العقوبات المصري «أحداث» يتم إيداعهم في بعض دور الرعاية الاجتماعية وليس السجن بجانب مشكلات أخرى تتعلق بإنكار النسب وعدم الإنفاق على الأسرة والهروب وغيرها. وأمام الإغراءات الوهمية تزايدت حالات الزواج العرفي في مصر حيث كشفت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة عن350 ألف حالة زواج عرفي معظمها من الفئة العمريَّة التي تتراوح أعمارها بين 18 25 عاما، ونتج من تلك أكثر من 14 ألف طفل مجهول النسب تنظرها المحاكم المصرية حاليا. واحتل رجال كويتيون رأس قائمة العرب المرفوع عليهم قضايا إثبات نسب بواقع 252 قضية، وجاء السعوديون بعدهم مباشرة بواقع 122 قضية في حين جاء الإماراتيون والعمانيون والبحرينيون في المركز الثالث بواقع 184 قضية. ودفع تفاقم ظاهرة الزواج العرفي أربع منظمات حقوقية نسائية مصرية تضم مؤسسة المرأة الجديدة ومركز حقوق الطفل المصري ومؤسسة مركز قضايا المرأة ومؤسسة حلوان لتنمية المجتمع لبدء حملة شعبية لتسجيل آلاف الأطفال المصريين ومطالبة الحكومة باستخراج شهادات ميلاد مؤقتة لهؤلاء الأطفال لضمان حقهم في الحياة بشكل رسمي وسرعة الفصل في قضايا النسب بحيث لا تستغرق أكثر من ستة أشهر خاصة أن العديد من القضايا تستمر لأعوام في أروقة المحاكم. كما طالبوا أيضا بوضع تحليل الحامض النووي ضمن الإجراءات الملزمة في قضايا إثبات النسب على أن تتحمل الدولة تكلفة التحليل ويكون قرينة تستند إليها المحكمة. وتنصح رئيس جمعية نهوض وتنمية المرأة بالقاهرة الدكتورة إيمان بيبرس بأن يكتب في عقد الزواج اختصاص المحاكم المصرية للأحوال الشخصية بأية منازعات قانونية وأن يكون لها حق حضانة الأولاد حتى لو بلغوا السن القانونية المحددة في بلد الزوج، وتحدد بدقة التزامه بتوفير النفقة والمسكن الملائم لها ولأولادها طوال فترة الحضانة، وقبل إتمام الزيجة بالاستفسار عن طالب الزواج من خلال سفارته بالقاهرة ومعرفة كافة التفاصيل عن حياته حتى لا تكون ضحية جديدة للزواج العرفي. التحقق أولا ومن جانب آخر نصح مسؤول بقسم الرعايا بالقنصلية السعودية بالقاهرة أية فتاة مصرية قبل الشروع في الزواج بأجنبي باللجوء إلى سفارة دولته في مصر للحصول على كافة البيانات الشخصية الخاصة به وما إذا كان متزوجا بأخرى داخل بلده أم لا بالإضافة إلى طلب نسخة من القانون المطبق لديهم في الأحوال الشخصية وتدارسها بعناية مع أحد المحامين بعد ترجمتها للتعرف على ما قد ينتظرها هي وأولادها في حالة الطلاق أو وقوع أية منازعات قانونية في المستقبل، حيث يوعى السياح والطلبة السعوديون في مصر بخطورة هذا النوع من الزواج حيث لا يحظى بموافقة الجهات المسؤولة بالمملكة، مضيفا أن السفارة لديها لجنة مشكلة مع الجانب المصري للنظر في القضايا التي تأتي من الرعايا السعوديين ومحاولة إيجاد حلول لأغلب قضاياهم ومشكلاتهم منوها بأهمية التوعية الإعلامية وتسليط الضوء على مشكلة الزواج من الخارج «تم تأسيس الصندوق الخيري بالقنصلية الذي يتحمل بعض الأعباء المالية لمن يتركون زوجاتهم وأبناءهم لكن موارد الصندوق محدودة كونها مجرد تبرعات خيرية» .