لم يمنعه فقدان بصره أن يواصل حياته دون أن يرى شيئا فيها، حيث استطاع ببصيرته أن يشق طريقه طفلا وفتى ثم شابا، فرجل أظهر قدرات عالية في مواجهة تحدياته؛ لينال أعلى شهادات الترقي والنجاح عمليا وأكاديميا، حيث حصل على شهادتي ماجستير، وهو الآن العضو المنتدب لشركة نما ووكيل ال« DHL » في المملكة وصاحب شركة نسمة ولديه في المكتب الخاص 16 موظفا كلهم من المعاقين، إذ إنه يعمل على نشر مراكز التدريب في كافة أرجاء السعودية تعمل على تقديم دورات تدريبية للمعاقين في العديد من المجالات... معه هذا الحوار. * بعض قصص النجاح تبدأ بخطوات صعبة.. كيف بدأت قصة حياتك؟ قصتي بدأت يوم أن كان عمري عاما ونصفا، حيث قدر الله أن أصاب بورم حميد في عيني، تسبب في فقداني البصر، وهنا بدأت رحلة التحدي، وكان معظم الناس يشفقون علي ويظنون أن فقدان البصر سيمنعني من إكمال حياتي. ما نشاطاتك بجانب عملك كرجل أعمال؟ - لدي الكثير من النشاطات والإنجازات التي تخدم المجتمع من الناحية الأولى وكذلك النشاطات التي تهم المعاقين وحقوقهم كما أرحب بأي معاق يبحث عن وظيفة في أي مكان أستطيع أن أخدمه فيه. * في سن الطفولة يحتاج الطفل إلى اللعب والركض.. كيف تجاوزت ذلك؟ مارست طفولتي بكل ما تعنيه كلمة الطفولة في اللعب مع الأطفال بالغميمة، فوالداي لم يشعراني يوما أنني مختلف عن بقية الأطفال، حتى بلغت سن السادسة من عمري حيث شعرت بثقل على عاتقي وجبل شاهق يريد أن يعترض مسيرة حياتي حين علمت أنه لا توجد مدارس للمكفوفين آنذاك، خاصة في محافظة الأحساء؛ فقرر والداي أن يحضرا لي مدرسين في المنزل حتى أنهيت جميع المراحل الدراسية، دون شهادة حيث إنه تعليم منزلي وأردت أن أنهي دراسة الثانوية، فطلبت من وزير التربية والتعليم «الخويطر» اختباري في جميع المراحل ولن أطالبهم بشيء سوى أن يتأكدوا من قدراتي وأن جميع المواد قد درستها في المنزل ولكن رفض طلبي وعدت من جديد أدرس 12 عاما أخرى. وبعد أن أنهيت الدراسة الثانوية.. أين اتجهت؟ كانت معظم الوظائف التي تخصص للمعاقين هي مأمور سنترال أو مؤذن مسجد، ولا يمكن أن تتوظف وظيفة أخرى مهما كانت الشهادة فقررت مباشرة- بمساعدة إخواني- إكمال الدراسة في بريطانيا، وهناك بدأت الرحلة من جديد فقد تفوقت في لغة وبرنامج التأهيل الذي يؤهل المعاقين في الاعتماد على أنفسهم في العيش وحدهم وطريقة ترتيب الملابس والطبخ وغيرها ولم أشعر حينها أنني معاق إلا بعد أن نزلت في مطارات المملكة في الاحتياج الدائم للمعاونة. وهل واصلت الدراسة أم توقفت؟ لا، لم أتوقف بل واصلت وتقدمت لأربع جامعات وبحمد الله جاءني القبول من جميعها وواصلت الماجستير في العلاقات الدولية وتخرجت بامتياز ونلت الماجستير من واشنطن في التربية الخاصة، ثم بعد ذلك عملت في السلك الدبلوماسي بالسفارة السعودية في واشطن، وكنت أعمل محللا سياسيا أضع المرئيات على الكتب التي تتحدث عن السعودية أو العلاقات بين البلدين، وكذلك المؤتمرات التي تعقد في هذا الشأن وكانت تلقى قبولا وإشادة من المسؤولين في حسن العمل والإتقان. وما الذي حدث عند عودتك للمملكة؟ عند عودتي كانت هناك ثلاثة عروض عمل من أرامكو وقبل ذلك لم تكن الوظائف المهيأة سوى مؤذن مسجد أو مأمور اتصال وفضلت الشركة العائلية، وبفضل الله استطعت أن أدخل العديد من التغييرات من ناحية التسويق. كيف كان دعم الأسرة لك؟ - بحمد الله والداي، رحمهما الله، وإخواني كانوا يرعونني أفضل رعاية، ويهتمون بي أدق اهتمام، فهم أصحاب الفضل علي، بعد الله تعالى، وأتذكر أن والدتي كانت تعلق جميع شهاداتي في غرفتي وتدخل كل يوم وتشير إلى شهادتي التي كانت تضعها في برواز جميل وكانا يزرعان فيّ الثقة في النفس والتحدي وعدم التهاون والمثابرة على أعلى المستويات. هناك معاقون يأخذون رواتبهم من الحكومات دون عمل.. نعم، هذه هي الكارثة الكبرى، والتي تطبقها عدد من الدول حيث تصرف الحكومة راتبا للمعاق دون أن يعمل وهو جالس في المنزل.. لماذا؟!! لا داعي لمثل هذه البطالة المقنعة وقتل القدرات في داخلهم، فالعديد منهم أصحاب شهادات عليا ومعرفة تامة بالكثير من الأمور، ويجب أن توفر لهم الحكومة وظائف فهم قادرون على أداء كثير من الأعمال. عبدالرزاق الزوج والأب .. كيف كانت قصة زواجك؟ الحمد لله زوجتي إنسانة قمة في الروعة وحاصلة على درجة عالية من التعليم، وفي تلك الفترة كانت أختي تبحث لي عن زوجة وسمعت أن هناك فتاة تقدم رسالة الماجستير، وذكرت أن لا مانع لديها من أن ترتبط بمعاق فذهبنا ودار الحديث والاتفاق على الزواج وشعرت أنها بالفعل إنسانة بمعنى الكلمة ولم تعترض على أنني كفيف وكانت صادقة في كلامها أنها لا تعارض أن ترتبط بمعاق وكانت لها العديد من المواقف التي استطاعت أن تهدم أي جدار من الصعوبات يقف أمامي. وماذا لديك من الأبناء؟ رزقنا الله بتوأم الآن أعمارهم ثمانية أعوام، حفظهما الله، أسميتهما علي ونورة على اسم والدي ووالدتي لهما الجنة.