إرشادات القراءة: إذ تنام الراقصة - المغنية، على الأرض «ثم تحرك ما يمكن تحريكه في جسدها بصورة غير موضوعية أو محايدة» لأسباب لا تغيب عن بال أي مشاهد. هذا الرقص أكثر وقعا وتأثيرا، وهو يدهشنا تماما، ما يجعلنا نستسلم لإغواء الصورة ونرفع الرايات البيضاء والخضراء والحمراء وكل الألوان الأخرى، إذ كيف يمكن للمشاهد أن يتفكر أمام هذه الصور الملونة بالألوان الطبيعية وغير الطبيعية لهذه الحسناء المتحركة الأفقية. الفيديو كليب والجسد والعولمة - عبد الوهاب المسيري. منتج محلي الصنع المرة الأخيرة التي أنتجت فيها مصر «مزة» بالمعنى الحرفي للكلمة، كانت في الثمانينات، واسمها «لوسي» وهي آخر منتج مصري معروف في هذا المجال. وبالطبع فإن مقارنة سريعة بين «روبي» المنتج «المززي» الحديث، و «لوسي»، سيظهر الفارق، وستكون للحنين أسباب منطقية. على أن مشهدا سينمائيا حديثا تظهر فيه المقارنة بشكل أوضح وأعمق. في فيلم «الوعد» «2009»، تعمل «روبي» في مركز تجميل صغير صباحاً. و «أعمال حرة» بالليل، تحضر «لوسي» سيدة المجتمع لتخبرها أن الرجل الكبير يطلبها في مهمة جديدة. فتسألها «روبي»: «عجوز برضه؟»، فترد «لوسي» في استنكار : «وما لهم يا بت العواجيز؟». تضيف «لوسي»: «يا بت العواجيز دول هما اللي ماسكين البلد من وسطها».. ثم تمنحها شهادة ثمينة: «إنتي فرسة كسبانة». في كل معاجم اللغة، عامية وفصحى، لن نجد كلمة أفضل من «فرسة» لنطلقها على «روبي» رمز الانطلاق والتمرد والثورة، وحين تنطقها «لوسي» فهذا يعني أن ثمة راية يتم تسليمها من «مزة» العصر الذي مضى إلى «مزة» هذا الزمان. تلك التي تراهن على الشباب. ولا يشغلها عجائز يمسكون البلد من وسطها.. لا يهمها وسط البلد.. المهم وسطها هي شخصيا. لاحظ أخيرا الموسيقى المتشابهة بين «روبي» و «لوسي»، خاصة أن الاسمين «أسامي دلع»، ف «روبي» هي في الحقيقية «رانيا حسين محمد توفيق»، شاهدها الجمهور للمرة الأولى في أدوار صغيرة هنا وهناك. ثم بدأت الاحتراف على يد «شريف صبري» ومعه بدأت رحلة من الكليبات والأغاني. إذن «روبي» صناعة محلية، مصرية 100 %. لا أب لبناني، ولا أم إيطالية. لأجل الصناعة الوطنية الحرة التي تحاول أن تصمد.. لأجل مصر.. أحن إلى روبي!. سمراء تشك في فتنتها هي سمراء. فقط لا غير. والذين يقدرون الجمال سيعلمون معنى أن هناك أيقونة سمراء ترقص وتغني وتمثل. خاصة أن الأيقونات المنافسة تبدأ عند «هيفاء» و«إليسا»، وتنتهي عند «مروى» و «بوسي سمير»، كلهن بيضاوات ملونات مع بروزات متفرقة هنا وهناك، وقليل من النفخ والهواء وضبط الزوايا. ويمكن أن تتخيل «روبي» صغيرة تبحث عن فتى يحبها في دراستها الإعدادية، ويمكن أن تشعر بدموع غيرتها في الطفولة من فتاة جميلة تجذب فتيان شوارع «المنيرة» حيث نشأت وترعرعت. «روبي» لا تصدق جمالها. تتعامل معه بشك، وتعبر عنه بشك أيضا. والمدهش أن هذا النوع من التعبير يجذب عددا من المعجبين. وتوجد تجربة شبيهة، تحمل اسم «شيرين عبد الوهاب» التي تنتمي للون نفسه، مع اختلاف في الدرجة، ومع قيود في التعبير عن الجسد. «روبي» تعبر عن نفسها بطريقة مصرية خالصة. لكن «شيرين» تصر على استخدام الأدوات ذاتها التي فرغت من استخدامها «مزة» ملونة مثل «إليسا» أو «هيفا». يمكن بسهولة الحصول على أخبار «شيرين» عن زياراتها المتكررة لمصفف شعر شهير في لبنان أو مركز تجميل معروف في وسط بيروت، لكن لا أحد يعلم أين تحافظ «روبي» على مظهرها، وأين تنال حظها من العناية ببشرتها. لها طريقتها الخاصة، غير اللبنانية على الأرجح. أتخيل «روبي» تغني في خلوتها، «صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني..». ويمكن تخيل هذا بسهولة بعد أن تسمع وتشاهد بعض أغنيات لها تعزز صورة السمراء المتمكنة من التعبير عن نفسها. تغني وحدها هل شاهدتها بصحبة أحدهم من قبل؟ هل أهانتك روبي كمشاهد، هل غنت «روبي» لأحد سواك؟ هل قارنتك بأحد؟ لماذا إذن لا تحن إليها مثلي؟ «روبي» تحترمني وتحترمك، وتحترم نفسها. تعرف أنها «أيقونة» فريدة، وتدرك أن ما يؤكد فرادتها، أن تبقى منفردة، تغني وحدها، ترقص وحدها، وحولها يمكن أن يظهر بعض المارة أو الأشخاص العابرين. لم يحدث أن استخدمت «روبي» أي شخص من أي نوع ليظهر بجوارها في أي كليب، طوال رحلتها تحاول أن تؤكد أنها تغني لنفسها، وأنها تسمح لك شخصيا بالفرجة عليها، مستغلة كل أحلامك القديمة في التلصص على إحداهن. تعرف أن محاولة تمثيل قصة أمامك ستبدو سخيفة وغير حقيقية. وبالتالي، فإن ما يمكن ملاحظته أيضا على منتجاتها الغنائية، غياب أي نوع من أنواع الدراما. لا توجد قصة، ولا مشاهد تمثيلية. لا يوجد أكثر من «روبي»، دون أي إضافات قد تفسد الصورة وتقلل من قيمتها. بالطبع فإن هذا التحدي ترفض أن تؤديه واحدة من الملونات مع كامل احترامنا لهن. هذه الوحدة، يمكن أن تكون في ذاتها رسالة.. ولا بد أن عقلك يستجيب لفكرة أن «روبي» تصف نفسها، مستخدمة صيغة مختلفة في التعبير، وهو -إن سمحت لي- أسلوب في التعبير ذكي لأبعد الحدود، بل إنه يذكرنا برائعة وصف الذات «عبدالهادي» للمطرب الأسمر «شاندو». الصمت فضيلتها الأثيرة هل قالت «روبي» قبل ذلك إنها عاشت طفولة مشردة؟ أو أنها تصنع كليبات «للكبار فقط»؟. هل دافعت عن نفسها ضد إشاعات زواجها من مكتشفها وصانعها ومخرج فيلمها وكليباتها وموزع أغانيها ومنتجها «شريف صبري»؟ لم يحدث ذلك ولن يحدث. لأن «روبي» تعرف فضيلة الصمت وتلزمه. تدرك أن الثرثرة مفيدة داخل الأغاني فقط. وعليه، فلا تتوقع أن تجدها في برامج المقالب والاعترافات الساخنة أو ضيفة حلقة آخر الأسبوع التي لم يجد لها المعد ضيفا مناسبا فأحضرها في آخر لحظة. لا يعرف أحد المبلغ الذي يمكن أن تتقاضاه «روبي» مقابل الظهور في حلقة من برنامج معروف، والسبب أنها لا تظهر أبدا. لا تحب الصحافة، على الرغم من أن الصحافة تحبها. صمت «روبي»، يجعل الجمهور يفكر في احتمالين، الأول أنها مشغولة للغاية بالفن والإبداع وتسجيل أغنيات جديدة والتحضير لألبوم جبار. وهو أمر جيد بالتأكيد. أو أنها تفعل شيئا ما لا يستحق أن تتحدث عنه. شيء يستحب أن يتم في صمت، وأيا كانت درجة خصوبة خيال الجمهور، فإنه سيتخيل في كل الأحوال أشياء رائعة، وهو أمر جيد أيضا ويحسب لصالح النجمة الصامتة. لأجل الخيال المريض.. أحن إلى روبي. شرفها في المحاولة! رغم أنها فعلا «فنانة شاملة». بمعنى أنها تؤدي بالفعل عددا غير محدود من الفنون، تغني، تمثل، ترقص «وتؤلف حاليا فيلما عن قصة حياتها» إلا أنها لا تزال تحاول طوال الوقت أن تصبح فنانة. فكر مثلا، ما الذي يجبرها على القيام ببطولة ثانية أو ثالثة في فيلم غريب الأطوار مثل «الوعد»؟ لا أعتبره فيلما سيئا على الإطلاق، لكنه بحسابات النجوم قد لا يكون الأفضل الذي يمكن أن تطل منه فنانة بحجم «روبي» وإمكانياتها. ما الذي يمكن أن يضيفه «وحيد حامد» وثلاثي «ياسين» «محمود ومحمد وآسر» إلى «روبي» إلا الفن؟ لا توجد أغان راقصة، ولا مشاهد ساخنة بالمعنى الشعبي للكلمة، ولا حوار يمكن اعتباره مثيرا من وجهة نظر رواد سينمات وسط البلد. بالمنطق نفسه الذي دفع ب «روبي» إلى «الوعد»، يمكن أن تبرر اشتراكها بالغناء في نهاية فيلم لن يتكرر «!» في تاريخ السينما «ليلة البيبي دول»، ورغم أن عددا من الجمهور دخل الفيلم وهو يتوقع أن تكون «روبي» هي التي سترتدي البيبي دول، إلا أنه وجدها في النهاية تغني من ألحان «ياسر عبدالرحمن»، وتستعرض بعض الطبقات في صوتها وترتدي ما لا يلفت النظر، وما لا توجد علاقة بينه وبين البيبي دول. ولا ننسى مشاركتها في «فيلم ثقافي»، في دور يهمل كل إمكانياتها الجسدية. إنها مجتهدة، يجب أن نعترف، ومنتشرة في مستويات عدة من الفنون، أفلام معقدة ل«شاهين»، ومغامرات إنتاجية ناجحة للعدل جروب، ثم تجربة متهورة من «شريف صبري» في أحد الأفلام الأنجلو مصرية «سبع ورقات كوتشينة»، الذي تلقى سيلا من الشتائم من شباب وسط البلد الذين توقعوا مشاهدة أجزاء أخرى من جسد «روبي». على مستوى الغناء، سيذكر التاريخ اسم «روبي»، فقط يمكن القول إن مشروعها الغنائي له ملامح، وهذا يكفي جدا في المرحلة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها -وبشكل مستمر- تحاول أن تكتشف في صوتها مساحات جديدة. وبالتوازي تحاول أن تكتشف في الكلمات معاني جديدة. كل هذا يمكن أن نتركه لمحبي الموسيقى، لكن تبقى حقيقة أن معظم أغنيات «روبي»، يمكن أن تسمع باقيه، وهذا مهم لأجل شرف المحاولة.. أحن إلى «روبي». الطيش.. مهمة سهلة ستحلق «روبي» شعرها كله يوما، وستدمن الكحول، وسترافق صحفيا مغمورا وسيراها بعضهم تسير فجرا في شوارع شرم الشيخ بملابس غير محتشمة. هذا ما يمكن أن تتوقعه ل «روبي» إن كنت مثلي تؤمن أنها تملك الإمكانيات اللازمة لتصبح فنانة طائشة. وهو أمر لم يحدث بعد في التاريخ الفني المعاصر. لا نملك في مصر فنانة مثل «بريتني سبيرز» أو «باريس هيلتون»، لا نعرف مطربة يصعب السيطرة عليها، أو تقود بسرعة جنونية، أو ترافق عشرات الرجال في عام واحد! كلهن ملتزمات! يتحدثن عن الفضيلة، ينكرن الإشاعات، ويخترن الزواج والاستقرار وتربية الأولاد حين يوجه إليهن سؤال يتعلق بالمستقبل! لكن «روبي» لن تخذل محبي الطيش والجموح، وستظل كما عودتنا، مدهشة تملك القدرة على الجموح، وستصرح يوما بما تؤمن به حقا، ستترك الصمت وتبدأ في توزيع اللعنات بألفاظ تتلاءم مع فتاة تربت في «المنيرة» ودرست الحقوق بحيث تعرف الفارق بين السب والقذف، وبين الوصف والتعبير. أتوقع من «روبي» بعد أعوام مستوى ناضجا من الفضائح وأخبار فقدان السيطرة. وسيتمكن جمهورها من معرفة أسباب اختفائها هذه الأيام، سيعرف الجميع الحكايات، وستكون «روبي» هي المصدر، فالفنانة التي تغني «أنت عارف ليه». تعرف جيدا ما يمكن أن يحققه الطيش لها بين الجمهور المتعطش لمستوى آخر من الفضائح. لأجل روبي.. أحن إلى روبي البراء أشرف