منذ قديم الزمان كان الإنسان يتوق إلى أن يحول الأشياء من حوله إلى أساطير، ويحول الأسطورة إلى رمز يمنحه القوة لتحقيق ما يصبو إليه. وعلم الأبراج والنجوم هو شكل آخر لهذه الرموز، إذ باتت تنتشر قراءات الأبراج، وشغف الناس نحو معرفة الطالع، حتى أصبحت سوقا مربحة، ويبرر اللاهثون وراء هذا العلم بأن ما يفعلونه ليس سوى حب استطلاع، وأنه لا يؤمن بما يقرؤه، وهو ليس سوى علم لا ينفع وجهل لا يضر. هذه الرغبة نحو الاتجاه للتنجيم، قد تكون نابعة من غريزة الإنسان في كشف الغموض، وهي قديمة قدم الإنسان ذاته، فتجد الفتاة اليوم حين تقرأ «هناك أمر سار سيحدث بداية العام» يتبادر إلى ذهنها أن عريسا سيطرق الباب، وتظن المتزوجة التي تحاول أن تنجب أنها ستحمل، ويظن الشاب الذي يبحث عن عمل أنه سيحظى بوظيفة، فكلمة «سار» تحولت لذلك الجزء المفقود، الشيء الناقص الذي طالما فتشوا عنه في واقعهم، ولم يجدوه! تزرع هذه الأفكار بداخلهم فكرة لا تنفك تكبر مع مرور الوقت، وتتردد داخل وعيهم حتى تلقى إيمانا تاما غير قابل للشك، فالفكرة تظل بلا قيمة إن لم تجذب نحوها من يؤمن بها، والنجاح مشروط بالإيمان، ولهذا آمنوا بإرادة مبطنة بأن هناك حدثا سارا سيقع، فانجذبت كل الأشياء من حولهم نحو تحقيق هذا الحدث السار، وارتفعت المعنويات بانتظار العام وتفاءلوا بقدومه. ولهذا وجد البعض في الأبراج وسيلة لتعزيز التفاؤل في ظل عوامل الإحباطات المحيطة بهم، والروح الانهزامية التي يصاب بها الإنسان في كل مرة يحاول أن يجد من يشجعه ويؤيده، ويبث داخله روح الحماس لتحقيق أهدافه المستقبلية، غير أنها في المستقبل ستجذب مع الوقت جمهورا سيحاول الدفاع عن أسطورته الخاصة، بدل أن يفهم أن النجاح يكمن بداخله هو. لكنه كان يحتاج فقط لقالب معين لإخراجه للوجود.