في الأسبوع الماضي وعندما أرخى العيد سدوله على جيوب الناس، بعد أن نجح في تفريغها مخلفا إيصالات الصرافات الآلية والفواتير الشاهقة، استيقظت تلك الجيوب التي التصقت على الصدور من أثر «التفليس» على أنباء تحكي أن أسعار الخضار لم تعد كما كانت.. وأن زمن «ثلاثة كيلو بعشرة» قد ولى، لزمن قد يمر فيه أحدنا على رفوف الخضراوات مخاطبا ابنه: يا ابني كانت حياتنا متخمة بالرفاهية. آنذاك كنا نشتري «سطل» البامية بخمسة ريالات، وسهم شركة «الكوسة» العقارية بثلاثة، قبل أن يولي صاحبها هاربا، عليه من الله ما يستحق! وكانت تزدحم المحال بما يسمى وقتذاك ب «السعودة» قبل أن يذوبوا في كأس العمالة الأجنبية التي تمارس «تطفيشا» منظما حتى أصبح الحال كما تراه. الآن تبدلت الأحوال، وأصبح الناس يا ابني يتهادون حزم الجرجير في مناسباتهم، والبطيخ في أعيادهم، بل إن الأمر قد وصل بأصدقائنا المثقفين أن ينعتوه ب «الذهب الأخضر»، وهذا ما أتمنى ألا تسمع به والدتك! ولكي لا أربيك على أن تصبح مواطنا يائسا فيما بعد -كما تراني الآن- ولا إلى أن أجعلك تعصر يوما ما ليمونة حين غداء -وكأنك تعصر قلبك- فإن الحال لم يتبدل كله، فهناك شيء لم يتزحزح وما زال يمتلك الصلابة ذاتها. دعني أهمس لك، ذلك الشيء يطلقون عليه: حماية المستهلك.. تقريبا، فحماية «المستهلك» يا ابني منذ زمن الرخص حتى هذه الأيام، تمارس دورها المتصنم نفسه، ولا يمكن لك أن ترى محلا ما في بقعة معمورة هنا أغلق بحجة «تجاوز التسعيرة»، ولا يحق لك ك «غلبان» أن تسأل أحدهم: لو سمحت ليش هالغلاء؟ لأنه وببساطة سيقول لك بعد أن يلتهمك بنظرته الناقدة: تبي والا منت بملزوم!. وإن أشفق على ريالاتك المتطايرة فسيقول لك: والله يالحبيب المشكلة «عالمية»، مع أنك تشعر في قرارة نفسك المكلومة أننا شعب التجار المختار الذين اصطفوه ليتفننوا في الرقص بالأسعار دون شعوب العالمين. وبس يا ابني خلاص!