أكدت عدة تقارير وإحصائيات أن حياة الثراء بالنسبة لبعض رؤساء الدول الأوروبية الكبيرة مثل بريطانيا تبدأ بعد ترك المنصب ومغادرة الكرسي الساخن. ولم ينضم هؤلاء القادة والزعماء «السابقون» إلى قائمة أغنياء العالم أصحاب الثروات الطائلة إلا بعد أن خلعوا رداء الحكم وانطلقوا في كتابة المذكرات أو إلقاء المحاضرات وتأليف الكتب، في حين فضل عدد آخر التحرر من أعباء أي منصب جديد والابتعاد عن صخب الحياة السياسية بالعبث فى مزرعة صغيرة أو الاستمتاع بالموسيقى أو تقديم النصيحة والمشورة لمن هم في أماكنهم حاليا. أصبح تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات والعمل مستشارين للبنوك والشركات الكبيرة هو الاختيار المفضل لمعظم الزعماء البريطانيين السابقين بعد أن يدخلوا إلى سوق العمل، وآخرهم توني بلير الذي استطاع أن يجمع ثروة ضخمة بعد تركه رئاسة الحكومة؛ إذ حقق خلال أقل من عام على تركه منصبه ثروة تزيد على 12 مليون جنيه استرليني، أي نحو ستة أضعاف دخله طوال 28 عاما. واستطاع بلير جمع هذه الثروة من خلال المحاضرات المدفوعة التي ألقاها والمشورة التي قدمها إلى عدد من الأثرياء والمصارف والشركات الدولية، وكان من أهمها عمله مستشارا في بنك «جاي بي مورجان الدولي»، إضافة إلى كتابة مذكراته. ولم يكتف بلير بإلقاء المحاضرات وكتابة المذكرات وحدها، إذ يشغل حاليا منصب الممثل الخاص للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط. وتفرغ جون ميجور رئيس الوزراء الأسبق لتأليف سلسلة من الكتب وكان من أهمها مذكراته التي حملت عنوان «قصة حياتي». ودار آخر كتاب ألفه حول لعبة الكريكيت التي تعد هوايته الأساسية. وإضافة إلى تأليف الكتب، قام ميجور بإلقاء المحاضرات والعمل مستشارا لعدة شركات متخصصة في إنتاج الآلات الصديقة للبيئة. وانشغلت مارجريت تاتشر بعد تركها رئاسة الحكومة عام 1990 بإلقاء المحاضرات والمشاركة في المناسبات العامة وكتابة مذكراتها التي حملت عنوان «سنوات داوننج ستريت» قبل أن تتعرض لسلسلة من الأزمات الصحية كان آخرها حدوث كسر في ذراعها ما جعلها تتوقف عن إلقاء الخطب والكلمات في التجمعات العامة. أما هارولد ويلسون، الذي تولى رئاسة الحكومة مرتين في الفترة من 1964 إلى 1970 ومن 1974 إلى 1976، فقدم برنامجا حواريا بعد تقاعده لمدة ثلاثة أعوام في هيئة الإذاعة البريطانية. ولم يكن لديه هواية أخرى غير العمل السياسي، فعاش حياة متواضعة وقضى آخر أيام حياته منعزلا حتى توفي عام 1995. وبعد خروج إدوارد هيث من السلطة ظل عضوا في مجلس العموم حتى عام 2001، كما عمل مستشارا دوليا لشركات تسعى للاستثمار في الصين. وفي الفترة بين تقاعده ووفاته عام 2005 كرس هيث وقته لليخوت والموسيقى الكلاسيكية التي كان مغرما بها، كما ألف ثلاثة كتب غير سياسية في اليخوت والموسيقى والرحلات، إضافة إلى كتابة مذكراته وكانت بعنوان «مسار حياتي» واستغرق في تأليفها 14 عاما. وتفرغ تشرشل بعد مغادرته المنصب عام 1955 إلى الرسم وهو هوايته المفضلة، وتأليف الكتب، وقضاء أغلب وقته على يخت «كريستينا» بصحبة الملياردير أوناسيس، وقضاء الشتاء في مراكش والصيف في مونت كارلو .