عزيزي.. لا أعرف كيف أبدأ رسالتي، وأي الحروف أجعلها تصدر رسالتي وقلمي المحتار، بل يعجز عن اختيار الكلمات التي تظهر ولو قطرة من سيول الشوق إليك. فأنا في دوامة من أمري.. هل أبدأ بالسلام عليك أم الدعاء لك أم نصحك؟ ورأيت أنني لو بدأت بالسلام عليك لما وسعت هذه الوريقة لوصف مشاعري تجاهك، ولنفد الحبر قبل أن أكتب حرفا واحدا، فما يخالجني لك شعور بالعزة عظيم. لذا عقدت العزم على أن أؤدي ما كان واجبا أن أؤديه قبل هذا الزمن، وإبراء ذمتي من جناية كانت لك اليد الطولي فيها. أنت.. عندما جئت بشعور طائش مجنون وحرقت نفسك من طلب العلم إنما قطعت شريان المستقبل النابض، وأطفأت شموع دربك في هذه الحياة.. ذلك الدرب الطويل الذي لا بد أن يسير فيه كل إنسان فهذا الطريق مليء بالعثرات. فلا تجعل دربك أسود كحلكة الليل مهما كانت الأسباب. عزيزي.. أنت في أول مرضك، وقبل أن تستفحل الجرثومة وتبث سمومها فيك فتصبح ضحية تسرعك وتهورك، إذ لم تكن تقنع بأكل وشرب ونوم وتهمل نفسك بحجة أن القناعة كنز لا يفنى؛ فأي كنز ذلك الذي ستناله من القناعة؟ وأي قناعة تلك التي أدت في يوم من الأيام بصاحبها إلى كنز؟! ثم ما هي القناعة؟ أهي التكاسل والتقاعس أم هي عدم الاهتمام واللامبالاة؟! لا بل هي الرضا دون خمول والقنوع دون تكاسل، فأرجوك.. أرجوك.. وكلي رجاء أن تقتنع بما فيها. ولك مني ألف شكر، إلى اللقاء.. إلى اللقاء. يقظة: ملاحظة هامة جدا: أرجو منك يا عزيزي أن ترد على هذا الكتاب ولك مني ألف شكر. وفي الختام.. إنني لآسف أشد الأسف على إزعاجك بهذه الرسالة ولكني مرغم. المرسل أخوك المخلص. * رسالة أرسلها صديق لصديقه في القرن الماضي حين كانت الصداقة ذات طعم.. وإخلاص اختفى منذ زمن, وصاحبها انتقل إلى رحمه الله قبل سنوات رحمهما الله.