قبل أيام من رمضان، انتشرت الفرق شبابا وفتيات في عدد من مواقع العاصمة الرياض. يذيبون للمارة حرارة الطقس التي تشهدها الرياض حاليا، فيما قطرات العرق المتساقطة على جباههم، تبددها ابتسامة الرضا لتحقيق الهدف المراد. إنهم جماعة من أجل المياه، أعلنوها تضامنيا، وداعا للعطش في شوارع الرياض، وطبقوها فعليا، بالانتشار السريع، بسياراتهم الخاصة، وبعتادهم الخاص، وبقوتهم الخاصة، ومن أموالهم الخاصة. لا يحتاجون اليوم إلى مساعدة، يكفيهم الشعور بحجم عملهم، والتعاضد معنويا معهم، لكنهم في الغد حتما يحتاجون إلى تعاون، وفي رمضان تتبدل المعنويات، فيزحف الجميع إلى الشوارع لتوزيع المعونات، لكن جماعة «لا عطش في الرياض»، التي أعلنت عن نفسها أخيرا، لا يرتبط عطاؤها بفصل أو بشهر: «عملنا قبل رمضان، ويستمر لما بعد الشهر الكريم، ولا يرتبط من قريب أو بعيد بإفطار صائم، هدفنا أشمل، نحو إلغاء العطش من الشوارع العامة». مع الصباح تبدأ القوافل في المستودعات الصغيرة، تستخرج المجموعة ما احتوت عليه من عصائر ومياه، يفرغون جوفها في سيارات، بعضها يتجه شمالا، والآخرون جنوبا وشرقا وغربا، لا يحتاجون إلى تمشيط الطرقات، فالحرارة كفيلة بفرض حالة العطش على الجميع، والأهم أن الابتسامة ترافق محيا الشباب والفتيات. دعوة بالحسنى محمد إقبال عامل باكستاني، استوقفته مجموعة، فأهدته عصيرا وقارورة مياه، تلفت يمينه، فإذا بزميله غير المسلم يتناول ما تلقاه: «أشعر بالفخر لمثل هذه الأعمال، ويكفي أن الشباب القائمين بهذا الدور، الذي كنا في الغالب لا نعرفه إلا في شهر رمضان، حيث ينتشر المتطوعون، والآن عرفنا أن العمل عام، ولا يقتصر على شهر أو يوم بعينه، وأعتقد أنها أبلغ رسالة لغير المسلمين خاصة، فهي مثال للدعوة بالحسنى». ويعترف مدير المشروع محمد المطيري بأن الهدف من الحملة تعزيز معنى الأخوة في الإسلام: «وتعزيز معنى الرحمة التي يتواصل بها أفراد المجتمع فيما بينهم ورسالة إلى أن الإسلام دين الرحمة، وهذه مبادئه النبيلة». تحت الشمس لكن الحملة التي تتخذ من الإنترنت طريقة للتواصل مع أعضائها من شباب وبنات الرياض، فتحت باب التطوع لمن أراد، وإرسال رسائل إلى المشاركين ودعوة الآخرين إلى المشاركة: «من يسجل بياناته، نرسل له طريقة العمل، ومن ثم نجتمع قبل الانطلاق بيومين، ونضع الخطة الميدانية، ويشارك آخرون في مخاطبة شركات المياه لتوفير الكمية المطلوبة مجانا إلا أن أغلب المحاولات غالبا ما تؤول إلى الفشل، فنعمل حسب الإمكانيات، وننطلق أسبوعيا كل خميس الساعة العاشرة والنصف صباحا، بعدما نحدد موعد اللقاء في مكان معروف، ونستقبل بيانات المشاركين الذين يتوافدون من أماكن مختلفة من الرياض، وبعد التسجيل يستلم المتطوع الكمية التي يريدها، ومن ثم يذهب إلى نقاط التوزيع، ويبدأ في التوزيع، والأمر اختياري في أن يعود مرة أخرى ويوزع، أو لا يعود، حسب طاقته وقدراته، مؤكدا أن أغلب الشباب يعود مرة تلو الأخرى، بل إن الكثيرين يشعرون بلذة تدفعه إلى عدم التوقف، ومعظم المشاركين من طلاب الثانوية والجامعة، فيما الأماكن المستهدفة غالبا ما تكون المشاريع التي تقام حاليا من جامعة الإمام الإسلامية ومدينة الملك عبدالله والمشاريع الأخرى ولأي موقع يعمل فيه شخص تحت الشمس». نقول قولا وفعلا ويوما بعد يوم تقيس الحملة نجاحها، حسبما يشير مدير المياه المسؤول عن تخزين وتبريد المياه الطالب الجامعي سعود الفايز إلى أن «الإقبال من الشباب نشاهده يتضاعف يوما بعد يوم، ولم نكن نتوقع أن الشباب السعودي بالهمة والرغبة في المشاركة في الأعمال التطوعية، هناك قصص بطولية تحدث أمامنا من أطفال صغار يرغبون في المشاركة، إلا أن من شروط المشاركة أن يكون عمر المتطوع فوق 17 عاما، ولكن مجرد المشاهدة تصنع في الطفل مستقبلا مشرقا في العمل التطوعي، الذي يربي النفس على حب الخير والعمل من أجل الدين والوطن، ومن الناحية الأخرى أكد أن هناك تقاعسا من التجار في دعم الشباب، حيث إن التكاليف تزيد، حيث نستأجر الثلاجة يوميا بمبلغ 600 ريال غير تكلفة كراتين المياه والعصائر المنوعة، لكن النتائج ولله الحمد تبشر بخير، حيث يتم في المرحلة الثانية توزيع 1000 عبوة مياه في أقل من 45 دقيقة على مستوى الرياض». ويرى الفايز أن خروج المجموعات من تحت المكيفات إلى حرارة الشمس: «رسالة لكل من يشكك في قدرات الشباب السعودي أن يتصور ما نفعله بإخلاص وتفان، لذا قررنا أن نثق بقدراتنا وأن يكون لنا دور كبير في نهضة بلادنا العزيزة، نزلنا إلى الميدان حتى نقول قولا وفعلا». تنظيم التطوع أما المشرف العام على الحملة عضو مجلس الشورى نجيب الزامل فأوضح أن الأعمال التطوعية مثل الحمى تنتقل من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل،: «مشروع سقيا بدأ منذ وقت في جميع المناطق، بشكل منظم، وبلغ المشروع الهجر والقرى، وهناك مبادرات تم اتخاذها لتنظيم العمل التطوعي ونقله إلى مستوى أعلى من الإتقان والاحترافية، ويأتي مجلس التطوع الذي يوصف بالبرلمان الشبابي، كأهم مبادرات الجمعية لضم الأندية التطوعية والمشتركين فيها تحت مظلة واحدة لتنسيق الجهود وحل العوائق أمام الشباب» .