يعيش الكتاب العربي أسوأ حقبة تمر عليه في تاريخه، فهو قبل دخول الشبكة العنكبوتية كان يعاني من عزوف كبير، وبعد دخولها انقطعت العلاقة بينه وبين الجميع، وتحدث أحيانا بعض المفارقات الغريبة التي تستوجب الوقوف عندها وتأملها، خصوصا أننا في مجتمع لا يملك غير التأملات حيال ما يستجد في حياته. ومن هذه المفارقات التي مر بها الكتاب في مجتمعنا في معرض الكتاب الأخير الذي أقيم في مدينة الرياض، حسب الإحصائيات والأرقام فإن الكتب التي تم بيعها فيه تفوق أي معرض كتاب آخر أقيم في مدينة عربية أخرى. وكان المعرض مزدحما بالناس الذين أتوا ليقتنوا كتبا واشتروا جميع أنواع الكتب بكميات هائلة وهو أمر مثير للدهشة والاستغراب. كان معرضا حقيقيا للكتاب، تشاهد الرجل والمرأة وهما خارجان يحملان عشرات الكتب، وكنت أتمنى لو صاحبت المعرض فعاليات تليق بحجم هذا الإقبال، وأن أجد أناسا متخصصين فرغوا أنفسهم للقيام بدراسات علمية واجتماعية حول علاقة مجتمعنا بالكتاب عبر هذه الظاهرة غير المسبوقة من وجهة نظري. لكن نجاح معرض الكتاب كان من المفترض أن يقودنا للكثير من الخطوات التي تدعم أهمية الكتاب في حياة أجيال مجتمعنا وبالذات النشء الجديد الذي تم اختطافه من قبل التكنولوجيا العنكبوتية الجديدة. فتعزيز أهمية المكتبة في البيت والمدرسة هو الحل الوحيد لبناء علاقة مجتمعنا مع الكتاب، ومن الأهمية بمكان وضع حصص دراسية شبه يومية للمكتبة خصوصا في المراحل الابتدائية، والحرص أثناء تنفيذها على زرع ثقافة القراءة وحبها في قلوب الصغار، وتعليمهم الطريقة المثلى لقراءة الكتاب، وتحفيزهم ببعض الجوائز البسيطة، والتشديد على اختيار معلم كفؤ يشرف على المكتبة المدرسية كمادة دراسية تتجاوز أهميتها أي مادة أخرى. الكثير من مكتبات المدارس – إن وجدت – تجدها في حال يرثى لها، وقد تشاهد الاستغراب على محيا مدير مدرسة ومدرسيه وهم يستمعون لولي أمر طالب يريد مشاهدة المكتبة المدرسية قبل تسجيل ابنه في المدرسة، ينظرون إليه نظرة تشعره بأنه من كوكب آخر ويحاولون إفهامه أن المكتبة ليس لها دخل في الموضوع، مع أنها أهم المواضيع.