قرب الغيوم التي تعانق حدائق الطائف، ولد الروائي ماجد الجارد: «مذاقاتي الأولى كان توتا طائفيا عذبا، ونغماتي هديل يمامة نشوى على شجر الشفا». ولم يكن وجهه يوحي بالشقاوة التي تظهر في مغامراته المختلسة، بل كانت البراءة قناعه الذي يستر شيطنته: «إضافة إلى سرقة الواجبات من زملائي، كنت ماهرا في كتابة براشيم الغش في الاختبارات على طريقة برايل فوق منديل مقوى يظهر حين أفتعل سعالا مصطنعا أو حين أحك فخذي فتنير ورقتي بالإجابات الكاملة»!. المدرسة ليس عالمه الأثير ولا ميدانه المفضل: «كنت أكره الرياضيات والكيمياء وأحب الأحياء والتاريخ والتعبير، وفي يوم عطلتي أرتحل مع الحرية إلى شاطئ جدة». وحين يستعيد الجارد الذكريات من تلك الطفولة البيضاء، تتجلى أمامه المشاهد بكل نقائها وحميميتها: «أتذكر مرة أني كنت أقود دراجتي مسرعا وفجأة تدفق الدم من بين أصابع قدمي حارا دبقا فنقلت للمستشفى وبقيت إلى المساء وجرحي مفتوح يتخلله هواء بارد مؤلم، وفي غرفة العمليات تم تخديري بالكامل من أجل خياطة إصبعين»!. رحلته مع الحرف بدأت قبل أن يتعلم القراءة، فأمه التي كانت تقرأ له القصص المصورة وسير التاريخ والصحابة فتحت أمامه شرفة فسيحة على عالم المعرفة والأدب: «حتى أصدقائي في الحي كانوا يقرؤون لي روايات رجل المستحيل ومجلات ماجد وميكي». وكانت علاقة الجارد مع «الماء» شائكة وغامضة رغم «فضية السباحة الحرة» التي حصدها في مستهل حياته: «أذكر أننا استأجرنا شاليها في إحدى العطلات، وكانت جدتي تعجن وتغني بالصالة، بينما عمتي تقف على جسر يمتد بين الأمواج لكنها تهورت فقررت أن تسبح وسرعان ما غطست تحت الماء، فدفعتني أمي من ظهري إليها لعلي أنقذ العمة الغارقة لكنها تشبثت بي وهوينا معا إلى الماء العميق، فلم تجد أمي سوى أن تدفع إلينا أخي الأصغر فنجونا جميعا فيما جدتي الغافلة لا تزال تعجن وتغني»!. ورغم أن الطفولة أصبحت ماضيا بعيدا، إلا أن الجارد لا يزال مولعا باللعب: «في الملاهي أحب الألعاب الأفعوانية والمركبات التي أتحكم بها، وسيارات التصادم فهذا هو المضمار الذي أتسيده وليس على الأعمى حرج فيه»!. وبعض الألعاب تحمل نكهتها الخاصة حتى مع تقدم العمر، فقد نستخلص منها دروسا عميقة رغم بساطة التجربة: «أهوى لعب الطاولة ربما لأنها تشبه الحياة، فحباتها ثلاثون تمثل أيام الشهر وخاناتها أربع وعشرون هي ساعات اليوم، وكل لاعب يملك اثني عشر مثلثا هي أشهر السنة. تلك الألعاب علمتني مبكرا أن الحياة هي المعادلة القائمة بين المهارة والحظ».